اصفاد العشق والهوس(الفصل الثاني وثلاثون)

مخطئ من يظن أَن البشر كالطيور إن جاعت تغرد
فجوع المشاعر يعلمنا الصمت
حتى ننسى مذهب الكلام وهيئة الكلمات ..
والكلمة إذا خرجت من الفم لا تعود
أما تكون وردة تطيب القلب..او تكون سهم يجرح القلب……
ولكن لا أحد يعرف ما تشعر به عن الاخرين
مانعلم ما الذي كان خلف هذه الشاشات الصغيره.
ويبقـى في القلب شعور .. فـوق تفـاصيل الكلام .
فهناك بعض القلوب غاب عنها ساكنيها…
من وجع والم وحرمان وشوق وجراح.ولا تفتكر أنها كلمة خرجت وخلاص..ممكن تكسر في القلب مليون خاطر..وممكن تزرع في القلب بساتين زهور..وبين جرح القلوب ..وطيب القلوب
خيط رفيع اسمه الاحساس…
كل الأشياء عندما تنكسر تصدر صوتا مزعجا ،،،الا القلب حين ينكسر يصدر أنين لا يسمعه إلا صاحبه….ليتهم يعلمون أن وجع القلوب يسبب أنين الروح..فأقوى خيبة أمل تتلقاها من أقرب الناس لك ،،كثيرا مانخفى عكس مانظهر…قد نبتسم من خيبة أمل
وقد نضحك من وجع ..قد نبدو هادئين ونحن نتألم..قد نتظاهر بالص
بعد مرور ساعتين ..
دلفت سلوي غرفة وتين ..ونظرت لها وهي تنام علي فراشها بنفور وغمغمت بحقد : زي القطط بسبع ترواح يا بت الكلب انتي!!
تحركت الي الاجهزه الموصوله بجسد وتين ..ومدت يدها ولكنها تراجعت بسرعه ..عندما خرج إيهم من المرحاض وقطب حاجبه بغضب وهدر بصوت مكبوت : انتي بتعملي ايه عندك ؟!
تغيرت ملامحها بسرعه الي اللامبالاة ..وابتعدت عن الفراش وغمغمت بحقد : سمعت انك جاتلك ازمه قلبيه من وراء ست الحسن بتاعتك!!
نظر لها بنفور وهتف : ست الحسن والجمال، وست الدنيا كلها كمان، وتجيلي سكته ولا جلطه بره عنك يا سلوي هانم!!
قطبت حاجبيها وصاحت بغضب: أنا نفسي اعرف البت دي تربيه الحواري عملتلك ايه ؟!
قبض على ذراعها وخرج بها الي خارج الغرفه بغضب وهدر بعروق نافره : عملت اللي محدش قدر يعمله!! حبتني.. خدتني في حضنها.. شوفت في عنيها الحنان اللي عمري ما شوفته.. واكتر من كده مخلصه يا سلوي هانم! عارفه يعني ايه مخلصه؟ ولا متعرفيش الاخلاص ؟؟
بلعت غصتها بصعوبه.. ونظر لها بنظره ناريه ودلف الغرفه واغلق الباب وهو يشتعل بنار حارقه بين ضلوعه.. اغمض عينيه بقهر وتحرك الي فراش وتين وقبلها على جبهتها وتمتم: ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي.. ومراتي ..وامي واختي ..وصحبتي.. وعشيقتي وكل دنيتي ..
في الخارج ..
وقفت سلوي تنظر إلي باب الغرفه بحقد يتفاقم بداخلها وكره غير طبيعي.. تحركت عدة خطوات ..وتوقفت علي صوت بدريه بغضب : استني يا وليه!!
نظرت لها سلوي بنزق وهتفت: انتي اتجننتي يا ست انتي؟! مين دي اللي وليه؟!
رفعت بدريه حاجبها وهتفت : انتي يا حربوقه …
شهقت سلوي بغضب وهتفت: انتي مش عارفه انتي بتكلمي مين يا ست يا شرشوحه انتي؟!
شهقت بدريه وصفقت بيدها وهتفت: نعم!! نعم يا دلعدي.. لاا … انتي تقفي عوج وتتكلمي عدل.. بدل ما اعدلك بالسرمه القديمه ..
فتح إيهم الباب ووقف يشاهد ما يحدث بصمت ..
شهقت سلوي بنزق وتراجعت برعب وهتفت : انتي ايه متوحشه؟؟
دفعتها بدريه بنزق وهتفت: اه متوحشه.. وخافي من اللي معندهاش حاجه في الدنيا تخاف عليها غير عيالي!!
إيهم ووتين ..وعشانهم أكلك بسناني واشرب وراكي مايه واحلف اني ما شوفتك !
ضحكت سلوي بنزق وهتفت بغرور : انتي يا بتاعه انتي شايفه إيهم ابو الفضل ابنك؟ ده ابني أنا !!!
هز إيهم رأسه بيأس واغلق الباب مره اخري …
ضحكت بدريه بغلب وهتفت : بأمارة ايه يا مره يا عايبه؟؟
إيهم ده ابن قلبي غصب عنك ..وعن اللي يتشددلك! وابعدي عنهم.. ومتجبش سيرة بنتي علي لسانك الزفر ده بدل ما اجيبك من شعرك واقطعه من لغلوغه !!
ضحكت سلوي بشر وغمغمت : بنتك المجنونه اللي مكانها في مستشفى المجانين.. مش مرات ايهم ابو الفضل!
نظرت لها بدريه بغضب ..وتطاير الشرر من عينيها ولطمتها بقوه علي وجهه ادرت وجهها الي الجهه الاخري وهدرت : امشي قطع لسانك أنا بنتي ست البنات !
وضعت سلوي يدها على وجهها بذهول مخلوط بالغضب.. ونظرت الي بدريه بعنف.. ورفعت يدها بتحذير وتمتمت بحقد : أنا هدفعك تمن القلم ده عمرك كله انتي وبنتك !!
رفعت بدريه حاجبها بنزق.. ودفعتها للحائط واوشكت علي الفتك بها .. لكن تدخلت عنايات وقالت : جري ايه يا بدريه كده تخضي الكونتسه؟!
اقتربت منها وتمتمت: معلش يا حبيبتشي أصلها زعلانه علي بنتها.. معلش امسحيها فيا ..ولا انتي متعرفيش يعني ايه الضنا اصلا ؟!
دفعتها سلوي بغضب وهتفت بنفور : ابعدي عني يا ست انتي بلاش قرف!!
قبضت عنايات علي شعرها بعنف وسحبتها الي الأرض بعنف وهدرت : قرف يا وليه يا ارشانه.. دانتي حتي ابنك
كارفك ومش طايقك !!
صاحت سلوي بغضب والم وعنايات تقبض علي شعرها بعنف وبدريه تلقنها درسا لن تنساه ..
خرجت زاد وجلال من الغرفه ..وشهقت برعب وهرولت حتي تسحب والدتها من فوق سلوي وهتفت : ماما لا يا ماما دي ام ايهم !!
نظر لهم جلال بذهول وهتف: يا نهار اسود ستات ازاي دول ؟!
تراجعت بدريه بعد ما قطعت من ذراع سلوي قطعه وبصقت بقرف وهتفت : يلعن ابو تقل دمك!!
صاحت زاد بعنف : كفايه بقا هتموتوها في ايدكم !!
نظرت إلي جلال المجمد بأرضه وصاحت : جلال مالك اتسمرت كده ليه؟! تعالي اسحبها معايه !!
كتم جلال ضحكته وتحرك يحاول سحب عنايات وحملها بين ذراعيه وسار بها بعيد ..وساعدت زاد سلوي علي النهوض .. نهضت سلوي وهي لا تستطيع رفع عينيها في تجمع العاملين …
ودفعت زاد وهرولت بصعوبه وهي تتوعد لهم بجنون : طيب يا جربيع ..يا لمامه، يا زباله، أنا هوريكم مبقاش سلوي عزيز !!
نظرت لهم زاد وهتفت: ايه اللي انتو عملته ده؟ انتو مش عارفين انها أم إيهم.. وممكن يزعل عليها !!
انزل جلال عنايات ولف ذراعه حول عنقها وقال: أنا بجد انبهرت ايه يا نعناعه ده؟ دانتو تيجو تشتغلوا معانا كده !!
ضحكت بدريه وعنايات وهتفت بدريه : اجي يا حبيبي مجيش ليه ؟؟
اومات عنايات بتهكم: ياختي عارفين ام إيهم ..بس إيهم نفسه مش طيقها ..اسكتي انتي متعرفيش حاجه !!
ضربة زاد كف ع الآخر بذهول.. ونظرت إلى جلال بدهشة ضحك جلال بتهكم وهتف: خلاص بقا هي تستاهل !!
………………………………
في المساء ..
فتحت وتين عينيها بثقل ..وحدقت في السقف بعيون جامده .. وهي تنحب بصمت وقهر علي طفلها.. الذي لما يري النور ..وهي السبب الأكبر في ذلك!!
وضعت يدها علي بطنها وشهقت بحزن مزق قلبها ..
دلف إيهم الغرفه وهتف بفرحه : اخيرا صحيتي يا صغنن !!
نظرت له واقترب منها وقبلها على جبهتها وتمتم: وحشتيني اوي..
تمسكت به وهمسة بدموع حارقه: أنا السبب يا ايهم ابننا ضـ ..
وضع ايهم يده على شفتيها وهتف بحنو : لا يا حبيبي متقوليش كده! ده قدر ربنا.. والحمد لله اكيد ربنا هيعوضنا خير!!
تنهد بحرقه ومسح على شعرها بحنان وهمس: أنا زعلان برضو والله وقلبي وجعني..بس ده قضاء الله وانا راضي ..
وكمان اللي هيجنني انتي طلعتي ليه لوحدك في وقت زي ده؟! كنت رايحه فين بس !!
نظرت له ودموعها تنهمر على وجنتيها وغمغمت بتردد : أنا غلطت يا ايهم كنت عايزه أنـ..
قطع جملتها دخول بدريه وعنايات وزاد وحمزه وغرام
هتفت بدريه بفرح وهي تجد وتين اخيرا استيقظت وتجلس اقتربت منها وضمتها بحنان وهمس بدموع : قلب امك يا اختي سلامتك يا ضنايا !!
ربتت وتين علي ذراع والدتها وهمسة: الله يسلمك يا ماما ربنا يخليكي ليا يا قلبي !
سحبت عنايات وبدريه وهتفت : اوعي يا اختي خليني اطمن علي البت !!
ضحكت بدريه وهتفت: براحه يا حبيبتي انا مش حملك..
ضمت عنايات وتين بفرحه وسعاده وهتفت: خلعتي قلبي عليكي يا بت الكلب !!
ضحكت وتين مع الجميع وهمسة: بعد الشر عليكي يا خالتي ..
اندفعت زاد وغرام كل واحده من جهه وضموا وتين بفرحه وغمغمت زاد : سلمتك يا صحبتي !!
غمغمت غرام بدموع : يلهوي يا وتين دانا قلبي كان هيقف!!
ضحكت زاد وهتفت: ننزل نزقوه يا حبيبتي ..
ضحكت وتين وغمغمت : سلامه قلبك يا غرام !
هتف حمزه بفرحه : وجعتوا قلوبنا يا جدعان والله يلا الحمد لله على السلامه قدر ولطف !!
ابتسم إيهم بجانب فمه ورد: الف مليون الحمد لله يا حمزه دانا قلبي كان هيقف !!
ضحكت زاد وهتفت: انت قلبك وقف يادوك ورجعنا ادناله زقها ..
ضحك الجميع بصخب وسعاده بعد وقت عصيب كاد يفتك بهم جميعا …
دق الباب ودلف اثنين من الممرضات بأدوات طبيه ..
وهتفت إحداهما : مساء الخير يا جماعه! اخبار عروستنا؟ معلش لازم نغير علي الجرح ونحميها !!
تململ الجميع بخفه وهتفت زاد : احنا معاها يا بنات !!
تحركت غرام وهتفت: اه ياريت تسيبوا كل حاجه واحنا معاها !!
ضحك ايهم بتهكم وقال بحسم : وانا موت ولا ايه يابت انتي وهي ؟!
حدق به الجميع بدهشه وغمغمت زاد باحراج : ايهم انت مش هتعرف تـ ..
قطعه ايهم جملتها بصوت هادئ لكنه حاد كسيف قاطع : مش هعرف ايه؟ اهتم بمراتي ؟! لا متخفيش محدش هيقرب علي مراتي غيري !!
مسكت وتين يده وهمسة بخجل : ايهم !!
انحني عليها وقبل يدها وغمغم بحسم لين : مش هتتكشفي علي حد غيري يا وتين الموضوع منتهي !!
اقتربت بدريه وقالت : طيب انا حتي اساعدك يا ابني أنا امها برضو !!
هز رأسه بالنفي وقال: علي عيني يا بدريه ! وتين دلوقتي تخصني انا وبس !!
ضحكت بدريه وهتفت: اصيل يا ابن قلبي ربنا ميحرمنا منك ..
ضحكت عنايات وهتفت: راجل يا ضنايا ولا كل الرجاله! ربنا يسترك زي مانت ساتر مراتك كده ..
تحرك حمزه باحراج وقال : طيب انا هروح اجبلكم عشاء يا جماعه!!
اوما الجميع وتحركوا الي الخارج.. وتحركت الممرضه ووضعت الادوات وملابس لوتين داخل المرحاض وخرجت ..
نظر ايهم لها والي خجلها اللذيذ.. وابتسم وانحني حملها بين أحضانه بحنو بالغ.. وهي تخفي وجهها في عنقه باحراج وخجل .. وتحرك بها برفق نحو المرحاض الملحق بالغرفه.. وكأنها قطعة من روحه يخشى أن تمس بسوء…
كانت خطواته حذرة، فتح الباب بجسده،وهو يوازنها بين ذراعيه كي لا تهتز…
بمجرد دخولهما، أغلق الباب خلفه بقدمه، وتحرك الي حوض الاستحمام وجلس وأسند ظهرها إلى صدره، داعما إياها بحنان…
فتح المياه الفاترة حتي ملئت حوض الاستحمام وفاحت من البخار رائحة الصابون الطبي الخفيف…
تمتم أيهم وهو يطبع قبلة على جبهتها : ماتخافيش يا صغنن ، أنا معاكي… كله هيبقي تمام !!
همسة وتين بخجل : بس مش لازم اقلع كل..
قاطعها بلطف بصوت منخفض لكنه قاطع : ششش… متتكلميش… انتي مراتي… وروحي، هفضل أشيلك في عيني طول عمري .. وليه مش عايزه تقلعي هي اول مره يا جنيتي ؟!
بدأ بفك أزرار ثوبها الطبي برفق شديد، أطراف أصابعه بالكاد تلامس جلدها المرهق..
كل زر يفكه كان يشعره وكأنه يكشف جزءا من ألمها لا من جسدها ..حين ظهرت جروحها، كدماتها الزرقاء، والجروح الصغيرة المنتشرة على جسدها، انقبض قلبه بعنف لكن وجهه ظل هادئا، لم يسمح لعينيه أن تفضحا وجعه عليها هو هنا ليحميها، لا ليزيد خجلها…
أسند جسدها بلطف إليه، ولف ذراعه حول عنقها، كي يحفظ توازنها وبمنشفة صغيرة، بدأ يبللها بالماء الدافئ، وبعناية لا توصف، مسح بها آثار الدم الجاف العالق بين فخذيها وأسفل بطنها ..
شهقت بخفوت وهي تخفض عينيها أرضا بخجل ودقات قلبي تطرق بعنف ..
بلل المنشفه مره اخري ومررها علي أنوثتها بنعومه ومسح دم الإجهاض الذي كانت تخجل منه، والذي كانت تظن أنه سينفره منها، تعامل معه وكأنه يمسح دمعا عن وجنة طفلته ..
انزلقت دموعها وعضت شفتها بخجل وهمسة: ايهم !!
قبلها علي جبهتها وهمس وهو يمرر المنشفة بنعومة:
دمك ده دم قلبي والله لا يوسخ ولا يتقرف منه.. ده شرف لي إني ألمسه بإيدي يا عمري !!
أغمضت وتين عينيها، ودموع الخجل والألم تتسلل من تحت رموشها وهمسة بصوت مرتجف:أنا آسفة… مكنتش عايزاك تشوفني كده !!
رد أيهم بسرعة وهو يكاد يقسم بروحه:أشوفيك إزاي بس! ده انتي في عيني أحلى من كل بنات الدنيا… حتى وانتي موجوعه بالجروح دي، عيونك لسه منورة قلبي !!
بلل قطعة قطن طبية صغيرة، وبدأ ينظف برفق حول مكان الجروح المفتوحة، لا يكاد يضغط على جلدها حتى لا يؤلمها ..كل جرح كان يتعامل معه كأنه موضع سجدة، يطهره بحنان الأب ..وحب العاشق وخوف تؤام الروح…
حين رآها ترتجف قليلًا من البرد، مد يده سريعا، غمس منشفة أخرى بالماء الدافئ، ثم لفها حول كتفيها بحرص، وصوت حاني خرج منه:لحظه كمان وهدفيكي، خلاص قربنا نخلص!!
بعد أن انتهى من تنظيفها من آثار الدم،سحب منشفه ومسح الماء من علي جسدها بنعومه وهو يقبل راسها بحنان ..سحب منشفه اخري ولفها حول جسدها حتي تشعر بالدفء قليلا ..رفعها من تحت ذراعيها برفق، وجعلها تجلس على مقعد صغير داخل المرحاض…
أخرج غيارا طبيا جديدا ، وثوبا نظيف ومسك غيارها الداخلي ووضع به أحدي الحفاضات ..وهي تخفي عينيها بخجل وتضم المنشفه حول نفسه بخجل ..
شهقت بخفوت عندما جثا على ركبتيه أمامها، ورفع ساقيها بحذر واحدة تلو الأخرى، وألبسها ملابسها وكأنها أميرة صغيرة.. يلبسها تاجها ..
نهض وسحب المنشفه برفق والبسها باقي ملابسها ثم وقف أمامها، متد كفيه وجمع خصلات شعرها بلطف خلف أذنها، وهمس بحب خالص:خلصنا يا صغنن تعبتي يا قلبي ؟!
هزت راسها بالنفي وغمغمت بدموع: تعبتك معايا يا حبيبي!!
ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يطبع قبلة على جبينها، وقال وهو يرفعها بين ذراعيه مرة أخرى:ده أنا روحي بترد فيا وأنا معاكي… متحرمنيش منك تاني، انا ضلعي مكسور وأنا بعيد عنك !!
خرج بها من المرحاض يلفها بين ذراعيه وكأنها أثمن كنز بالعالم، وعاد بها إلى الفراش بحرص، كما لو كانت وردة هشة لا تحتمل النسيم…
جذب الغطاء برفق حتى غطاها به، ثم جلس بجانبها، يمرر أطراف أصابعه على وجنتها بحنان كانها قطعه بلور يخشي خدشها ..
أغمضت وتين عينيها وانفاسها متقطعه بين الالم والخجل ولم تستطع منع دموعها من التسرب بضعف ..
لاحظ أيهم دموعها فورا، وانقبض قلبه أخفض رأسه، واقترب منها، ومسح دمعتها بطرف إبهامه وهمس بصوت مبحوح كله رجاء:وتين عشان خاطري بلاش دموع … أنا جنبك، ومش هسيبك، ولا ثانية
فتحت عينيها ببطء، نظرت له نظرة كلها وجع وانكسار وهمسة:كنت عايزاك تفرح بالبيبي … كنت عايزاك تبقى مبسوط بيا… مش كده !!
ضم كفها السليم إلى صدره، فوق قلبه مباشرة وهمس بصوت دافئ : أنا مبسوط بيكي انتي… مش مستني منك حاجة غير وجودك فاهمة.. عارفه لو هطلع من الدنيا كلها بيكي انتي انا راضي يا عمري ..
اقتراب منها حتي اختلطت أنفاسهم وهمس باحساس طاغي:أنا بحبك وانتي موجوعة، بحبك وانتي ضعيفة، بحبك وانتي بتعيطي… بحبك بكل حالاتك ..
شهقت وتين ببكاء حار وكأنها تغرق بين دموعها وكلماته الحنونه ..رفعها ايهم بين أحضانه وضمها لصدره ..وهو يمسح على شعرها وظهرها بحنان يهديها كأنها طفلته المدلله وهمس في أذنها بنبره هادئه مغلفه بعشق لو خرج من قلبه لملأ الكون وفاض : على مهلك عيطي زي ما تحبي لحد ما ترتاحي براحتك، أنا هنا ولا تخافي، ولا تتكسفي… ده حضني وسريرك وقلبي يلم وجعك يا وتين !!
مرت دقائق طويلة وهو يحتضنها، ويربت علي ظهرها برفق حتي شعر بها تهدي بالتدريج وعينيها تغلق ببطيء ..
اخرجها من بين أحضانه ورفع وجهها بيده وهمس بصوت دافئ حنون : تعالي نحسبها كده، أنتي بقى ليكي حساب تقيل
غمز لها بخفة وهمس أمام شفتيها :خليتي قلبي يوقف مرتين النهارده… حادثة، وبعدين دموع… يبقى أقل حاجة عايز تعويض…
ابتسمت برقه وهمسة : تعويض! ايه ده ؟!
اتسعت ابتسامته وأشار إلي شفتيه وقال بمكر حنون : بوسة هنا…
ضحكت بخجل وهمسة : ايهم عيب احنا في المستشفى بلاش !
رفع حاجبه وضحك بعبث : ده من امتي بيهمنا مكان ولا زمان يا صغنن!!
ضحكت أكتر، واستغل الفرصه والتهم شفتيها بقبله ناعمه لكنها بشغف لا نهايه له .. ترك شفتيها اخيرا وضمها بحضنه وهمس : نامي بقا… نامي بدل ما اتهور .. أنا مش هقوم من جنبك طول الليل نامي يا عمري !!
وضعت وتين رأسها على صدره، تسمع دقات قلبه المنتظمة، تغرق في دفء أمانه،واغلقت عينيها وسقطت في نوم عميق سريعا ..بينما هو ظل يمرر أصابعه بين خصلات شعرها، يهمس بكلمات لا يسمعها إلا الليل: روحي… نور عيني…وتين قلبي.. وحياتي كلها…
………………………………..
في صباح اليوم التالي…
ف غرفة وتين كان الصمت يلف المكان… حتى دق الباب تحرك ايهم بسرعه وخلفه وفتح باب الغرفة وجد شامل امامه، بملامح مشدودة وعينين مشتعلة بالقلق.
نظر الي وجه ايهم المرهق، والشاحب، وعيناه الذابله
هتف شامل بصوت مبحوح:
ليه يا أيهم؟! ليه مكلمتنيش لما حصل كل ده يعني ايه كل ده يحصلك وانت لوحدك وانا بعيد عنك امال أصحاب ازاي ؟!
تنهد ايهم بثقل، ونظر له بذهول وهتف :شامل ؟! إنت رجعت امتي ومين قالك ؟!
تقدم شامل منه بخطوات غاضبة، وصوته يرتجف بالغضب والخذلان: رجعت لما عرفت من بره يا أخويا ! مش منك! عارف انك هتكون محتاجين انت حصلك ذبحة!! ومراتك بين الحياه والموت!! وأنا آخر واحد يعرف؟!
خفض أيهم رأسه بحرقه ، وتمتم بصوت مكسور:
ماكنتش في وعي يا شامل … كنت بحاول أمسك نفسي عقلــي كان هيطير مني يا صاحبي …
اقترب شامل أكثر، صوته أكثر حدة، لكنه يحمل وجع أكثر من غضب: أنا صاحبك يا أيهم! إحنا أخوات! إزاي يحصل فيك كده ومتكلمنيش؟! ده أنا كنت بره وقلبي كان مقبوض من غير سبب!!
أدار أيهم وجهه، بلع غصته وقال بصوت منخفض كأنه يعترف بضعفه لأول مرة: مكنتش قادر… كنت بشوفها قدامي ساكتة وباردة ومبسمعش نبضها… كنت مرعوب، حسيت إني بموت بالبطيء… مقدرتش حتى أرفع تليفوني…
سكن شامل للحظة، ونظر لصديقه الذي بدا وكأنه عاش سنين عذاب في يوم واحد ، واقترب منه وربت على منكبيه بقوة وقال بصوت هدأ قليلاً: أنا مش زعلان عشان مبلغتنيش ، أنا زعلان عشان مكنتش جنبك… وعشان انت شلت الوجع ده لوحدك.
ابتسم أيهم بسخرية موجوعة وغمغم : وجع؟ ده كان موت… كنت بموت كل ثانيه وهي ساكته كده… كنت حاسس روحي بتتسحب مني.. أنا غلطان .. ياريتني ما نزلت اليوم ده ولا سبتها لوحدها !!
قاطعه شامل بقوة: ولا غلطت ولا حاجة! دي أقدار، ولازم تؤمن إنك عملت اللي تقدر عليه… المهم دلوقتي تقوموا من ده، سوا.
نظر أيهم إليه بعينين ممتلئتين بالعرفان وقال : وجودك دلوقتي بيفرق… حتى لو متأخر يا صاحبي !!
ربت شامل على ظهره وضمه بحضنه وقال بابتسامة دافئة:إنت اخويا يلا … أنا معاك على طول.
………………………………
صباحا اليوم التالي
خرج أيهم من غرفة وتين ، وجهه شاحب، عينيه متورمة من الإرهاق، ويداه ترتجفان رغم محاولاته للتماسك. وكأنه على حافة الانهيار
كان في انتظاره عند الباب الضابط المسؤول عن التحقيق، يرافقه أحد المساعدين. التفت أيهم نحوهما بعينين جامدتين، لا تحملان أي ملامح بشرية.
اقترب الضابط بخطى هادئة، وقال بنبرة رسمية:
دكتور أيهم، إحنا جينا نبلغ حضرتك بنتيجة الفحص الأولي للحادث.
رفع أيهم نظره ببطء، وكأنه لم يسمع جيدا، وقال:
اتكلم بسرعه انا اعصابي مش ناقصه
نظر له الضابط وهتف بتأن :العربية اللي خبطت مراتك كانت جيب سودا، من غير نمر. دخلت من طريق جانبي وخرجت من مخرج تاني، مفيش كاميرا واحدة قدرت ترصد رقم أو وش السواق. واضح إنه كان مغطي وشه كويس، وكأنه حافظ أماكن الكاميرات بالظبط… يعني غالبا سواق محترف…
رمش أيهم بعينيه مرة واحدة… فقط مرة واحدة.
ثم بصوت منخفض، لكنه ممتلئ بالغليان: يعني بالعربي… انت جاي تبلغني بفشلك؟
تنحنح الضابط باحراج وقال: لسه بنبحث يا دكتور، دورياتنا في كل مكان ، وبنراجع الكاميرات اللي في المحلات…
قاطعه أيهم بصوت انفجر فيه الغضب الدفين:وإنت جايلي دلوقتي بكل برود تبلغني إنك معرفتش تعمل حاجة؟! مراتى كانت هتموت، وابني مات… يعني كنت هخسر حياتي وكل ده بسيط اوي بالنسبه ليكم
اقترب الضابط خطوة، محاولا الحفاظ على هدوئه:
أنا مقدر غضبك… بس احنا شغالين، ومفيش حد فوق القانون.
صرخ أيهم وهو يشير بصدره: القانون؟! كان فين القانون وهى بتنزف في الشارع ؟! فين القانون لما طفل بريء مات قبل ما يشوف النور؟!
ارتفع صوته حتى سمعه كل من في المستشفى، فخرج جلال وشامل بسرعة من الغرفة المجاورة.
أسرع جلال إليه، أمسك بذراعه وهتف:اهدى يا أيهم، مش كده… مش بالجنان ده
حاول شامل سحب الضابط الي الخارج وقال باعتذار:
انا اسف متاخدوش عليه… هو لسه خارج من ذبحه صدريه.. ومراته بين الحياه والموت..ولسه مش مستوعب اللي حصل.
اوما الضابط وهتف بمهنيه : كان الله في عونه يا دكتور أنا مقدر حالته عن اذنك !!
انتزع أيهم ذراعه من يد جلال بعنف:
“أنا مستوعب أكتر من اللازم .. دي مراتي! وأنا شفت الموت في عنيها! كانت هضيع مني ف غمضة عيني عايزيني اعمل ايه يعني !! انا مش عايز مساعد من حد اصلا واللي عمل كده ف مراتي وابني قسما بدين الله لهشرب من دمه !!
جلال قال بهدوء: عارف، وعشان كده اسمعني… الموضوع مش حادث وخلاص، في حاجة مش مظبوطة. العربية دي مش معدية صدفة. اللي سايقها دارس المكان كويس، وحافظ كل كاميرا، ومش سايب ورا نفسه أثر… دي مش صدفه اكيد!!
صمت أيهم، وبدأت أنفاسه تهدأ ببطء. نظر إلى جلال بعينين تلمع فيهما شكوك جديدة وغمغم : تقصد إيه؟ حد ورا الموضوع؟
اوما جلال برأسه وقال : أنا مش بوجه اتهامات، بس… إحساسي بيقولي إن دي مش مجرد حادثه عشوائية، دي مدبره يا صاحبي !!
اقترب شامل وقال: ممكن حد كان بيراقبها؟ أو حد مترصد ليها أو ليك؟ لازم نفكر في كل السيناريوهات.
كان قلب أيهم ينقبض أكثر مع كل كلمة. رفع نظره إلى السقف، وكأن الأسئلة تنهمر عليه كالمطر وهتف :
أنا مش هسكت غير ما أعرف مين عمل فيها كده… واللي ورا ده، هيدفع التمن. عمره !!
قالها بصوت خافت، لكنه كان أقرب إلى وعد مخيف.
……………………………….
بعد مرور أسبوع…
لم يكن مجرد أسبوع من الزمن بل كان عمرا جديدا كتب له فقط.. لأنها ما زالت هنا أمامه ..ما زالت تتنفس !!
أيهم لم يكن مجرد زوج يعتني بزوجته المصابة،
بل كان رجلا فقد روحه وكادت تسلب منه، ورأف الله به واعادها إليه.. وها هو يعيش كل ثانية ليعوضها، ليغرقها في بحر من عشقه…
ليحملها بين يديه كأنها كنزه الأعظم، كأنها اكسجينه الذي لا يستطيع العيش بدونه…
كان يهتم بها بطريقة جنونية… لا بل!! بطريقة عاشق مهووس بها، بطريقة رجل كتب له الموت ثم عاد للحياة فقط من أجلها…
في كل لحظة كانت عينيه تراقبها بلهفة وكأنه يخشي أن يغمض عينيه للحظة فتختفي من أمامه…
كلما رمشت، كان قلبه يرتجف، كلما تأوهت، كان يشعر بألمها ينهش أضلعه، كلما حاولت إخفاء وجعها، كان يكتشفه قبل أن تتفوه بحرف، وكأنه متصل بها، وكأن أنفاسها جزء من أنفاسه…
كان يستيقظ قبلها، يجلس على حافة السرير، يتأمل ملامحها بعيون غارقة في العشق والهوس، يمد يده ببطء، يلامس وجنتها بأطراف أصابعه، وكأنه يلمس معجزة يخشى أن تتلاشى إن ضغط أكثر من اللازم ..
كان يمرر سبابته برقة على شفتيها ويهمس بصوت مبحوح بالكاد تسمعه: يا روحي ، وعمري، وقلبي ، وحياتي .. يا وجعي وسندي ..مش مصدق إني لسه قادر أشوفك قدامي!!
وحين تستيقظ كل صباح كان قلبه يقفز بجنون، وعينيه تلمعان بفرحة طفل استعاد والدته بعد أن اعتقد أنه فقدها للأبد،
يقترب منها، ويقبل كف يدها بقوة وكأنه يريد أن يطبع دفء جلدها في روحه، ويهمس لها :صباح العيون اللي رجعتني للحياة… عاملة إيه يا وتين قلبي!!
كان يطعمها بنفسه، وكأنها أميرة مدللة، وإن حاولت الاعتراض، كان يضع اللقمة أمام شفتيها بإصرار ويقرب وجهه من وجهها ويهمس بصوته الأجش الذي يقطر عشقا: مش هتزعلي جوزك حبيبك مش كده؟ مش هستحمل أشوفك ضعيفة كلي عشان خاطري كلي عشان تعيشي عشاني!!
أما في الليل فقد كان جحيمه الحقيقي…
لم يكن يستطيع النوم .. لم يكن يستطيع حتى أن يغمض عينيه لدقيقة واحدة .. كان يجلس على الأريكة الصغيرة بجوارها.. يراقبها كأنها كنز يخشى أن يسرق منه …
كأنها نفس يخشى أن يتبخر فجأة ..كان تقريبا يعد أنفاسها يراقب صعود وهبوط صدرها بحذر ..
يطارد كل حركة من جسدها…
وان استيقظت فجاه كان وجهه أول ما تراه، نظراته المشتعلة بالحب والخوف تخترق عينيها ..
ويهمس بصوت أجش محمل بألف شعور : مش عايز أنام!! مش عايز أغفل عنك لحظة !! خايف تصحي وأنا مش جنبك ..خايف من أي ثانية تفصلني عنك !!
وحين تحاول تهدئته وتمد يدها المرتجفة وتلمس وجهه المتعب، كان يغمض عينيه للحظة ويلتقط كفها بين يديه ويضغط عليه بقوة تكاد تكون مؤلمة ثم يهمس بنبرة تعكس كل ما بداخله من عذاب: لو كنتي روحتي كنتي خدتي روحي معاكي كنتي
كنتي قتلتي أيهم للأبد !!
أيهم لم يكن فقط يعتني بها ايهم جعل عنايته لها شي مقدس.. لا يستطيع التفريط فيه ..كان يعيش لأجلها فقط …
كان مهووسا بها بطريقة لا يستطيع حتى هو تفسيرها.. هي لم تكن مجرد زوجته ..هي كانت روحه كانت حياته وكانت اللحظة التي كادت أن تسرق منه،
لكنه لن يسمح بذلك أبدا ..لن يسمح لأي شيء في هذا العالم أن يأخذها منه، حتى لو كان الموت سيموت قبلها بالتأكيد …
مسكت يده وقبلتها بحنان وهي تلاحظ الإرهاق الذي ينهش ملامحه وعينيه الزابله من قلة النوم وهمسة : إيهم!!
دنا منها وهمس بحنو : قلب ايهم..
نظرت له بتوسل وهمسة بصوت ضعيف قلق:أيهم حبيبي روح البيت وارتاح شوية.. وكمان هاتلي هدوم معاك !
نظر لها برفض قاطع وقال بصوت خافت لكن صارم :
انتي اتجننتي! مش هسيبك طبعا ما تحاوليش!!
بلعت لعابها بصعوبه وضغطت علي يده برفق وهمس :
أنا بخير والله ..وكمان زاد هنا مش هكون لوحدي ..
بس أنت تعبان أوي شكلك مش نايم من أيام !!
زم شفتيه بعناد وكأنه يرفض حتى مجرد التفكير في الأمر وهز رأسه نفيا وقال : أنا مش مهم.. المهم إنتي!!
نظرت له زاد بحنق وهتفت بحده طفيفه : ما تسمع الكلام بقا يا دكتور ..وبطل العند ده! انا مش هسيبها لحد ما ترجع ..كفايه تعذب البت ..هتتحيل عليك كتير يعني ولا ايه ؟!
بصراحه شكلك ميطمنش ولو وقعت علي وشك محدش هيقدر يشيلك !!
هز جلال رأسه وغمغم: لا يا شيخة إحنا نقدر نشيله بس هنحتاج ونش رفع أثقال !!
ضحكت وتين بخفوت.. لكن أيهم لم يكن في مزاج يسمح له بالمزاح ..نظر إلى زاد بحدة .. ثم إلى جلال الذي رفع يديه باستسلام..
هتفت زاد بغضب: انت هتخوفنا يعني؟ مش بنخاف يلا يا إيهم بجد .. إحنا كلنا بنحب وتين وبنخاف عليها.. روح البيت خد شاور ..نام ساعتين ..وهات لها اللي عايزه وتعالي مش هتتأخر عليها !!
زفر بعنف.. ونظر إلى وتين التي كانت ترمقه بتوسل.. نظراتها تخبره أنها تحتاجه مرتاح.. لانه ببساطه يجب أن لا ينهار أمامها…
نهض اخيرا مستسلم جزئيا وغمغم :طيب هروح بس ساعتين بس.. عشانك!! ولو حصل أي حاجة اتصلوا بيا فورا..
ابتسمت براحة وشدت على يده برفقة وهمسة: حاضر ! بحبك ..
ابتسم بجانب فمه وانحنى طبع قبلة طويلة على جبينها، وكأنه ينقل لها كل ما يعجز عن قوله بالكلمات ثم استدار ليغادر لكن خطواته كانت ثقيلة، وكأنه يترك قلبه خلفه ..
…………………………………
وصل اخيرا الي المنزل ..
ودلف الي غرفة النوم منهك بجسد يأن يطالبه بالراحة.. لكن قلبه لا يهدأ راحته بجانبها فقد…
نظر الي الغرفه بعينان تائهتان في المكان، وكأن روحه تركت هناك بجوارها…
توجه نحو غرفة الملابس ببطء وأخرج بعض الملابس وخرج ووضعها على السرير.. وحين التفت وقعت عيناه على تلك الورقه المطويه بجانب السرير …
قطب حاجبه بدهشه ومد يده والتقط الورقه .. كانت خفيفة بين أصابع.. لكنها تحمل ثقلا لا يحتمل!!
جحظت عينيها عندما وقعت علي كلماتها التي كانت وكأنها خناجر حاده اخترقت قلبه …
كفايه يا إيهم لحد كده وانا مش قادره اكمل.. كنت فاكره اني هقدر !وكنت عايزه اعيش معاك اكتر ! واحبك اكتر بس مش قادره …
تسارعت أنفاسه وشعر كأن أحدا سحب الهواء من الغرفة فجأة…
انساني يا إيهم وعيش حياتك مع اللي تليق بيك..
جحظت عينيه بذهول واصابعه تضغط علي الورقه حتي تجعدت بين يديه …
بلاش تدور عليا عشان هكون بعيد اوي عنك..
الموت هو الحل الوحيد عشان ارتاح ..سامحني يا حبيب عمري!!
ارتعشت يده وشعر وكأن الأرضية تهتز تحت أقدامه
كانت هذا الكلمات كافيا لتشعل جحيما داخله
هاجت عينها بوهج غاضب.. وضرب بقبضته على الكومودينو حتى اهتزت المصابيح فوقه…
كيف؟ كيف فكرت للحظة أنها تستطيع تركه؟ كيف تجرأت على أن تفكر في إنهاء حياتها وهو هنا، يعيش فقط من أجلها!!
لم يكن يعرف متى خرج من الغرفة؟ ولا كيف شق طريقه إلى المستشفى؟!
كل ما يعرفه هو أن قلبه ينفجر بغضب وأنه بحاجة لرؤيتها الآن …
في المستشفى ..
اندفع أيهم إلى المستشفى كالإعصار ..وجهه كان كتلة من الغضب ..من الجنون.. من الألم الذي لا يحتمل …
جسده يكاد يشتعل بالغضب وعروقه نابضة بجنون يكاد يسمعه ..
لم يهتم بنظرات الممرضين والمرضى الذين أفسحوا له الطريق فور أن رأوا ..وجهه المتجهم وكأن إعصار ضربه..
بلغ باب الغرفة ..ودفعه بعنف.. كاد يخلعه من مكانه.. جعل زاد و وتبن ينتفضان برعب ..وجلال نظر له بدهشة ..
وقعت عينيه عليها تلك التي كانت على وشك أن تحرمه منها بنفسها…
لكن لا ليس الآن؟ ليس بعد أن قرأ خيانتها له؟!
خيانة ليست بجسد أو روح ..بل خيانة قاتلة ..خيانة بالهروب منه.. وهي تعلم أن روحه معلقه بها !!
بدون مقدمات ..بدون إنذار.. اقترب منها وألقى بالورقة في وجهها بقوة جعلت الهواء نفسه يختنق…
غمغم بنبره قاتله كالرصاص البارد الذي يخترق القلب بلا رحمة: اقريها
نظرت وتين الي الورقه وجسدها يرتجف بعنف..
وهرب الدم من جسدها.. وتعثرت أنفاسها ف صدرها وأصبحت عاجزه حتي عن التقاط الورقه …
حاولت النهوض وهمسة بانكسار : إيهم !!
لكن صوتها لم يصل إليه، لم يخترق جدار الجحيم الذي احترق بداخله !!
دوي صوته كالرعد جعلها تنتفض برعب حتي الجدران نفسها رجت من صوته : قلت اقريها !!
حاولت زاد الاقتراب لكن نظره واحده منه جعلتها تتجمد مكانها ..
كانت عيناه مرعبة، لا شيء فيهما سوى الخذلان والجنون..
التفت إلي وتين وهز رأسه بجنون وكأنه فقد عقله وصاح بصوت حاد : مش قادرة تقوليها ليه؟! مش انتي اللي كتبتيها بقلب ميت!! مش انتي اللي قررتي تسيبيني وتخلصي مني للأبد …
شهقت بعنف ودموعها انهمرت بغزارة وهي لا تستطيع تحريك لسانه داخل فمها من الرعب ..
اقترب منها وقبض على ذراعها وهدر بالم يفتك به :
أنا عملت إيه عشان استحق منك تعملي فيا كده ؟!
كنت قاسي؟ كنت مؤذي؟ كنت بخوفك؟ كنت بخنقك؟ انتي كنتي أغلى حاجة في حياتي!! أغلى من نفسي.. من روحي.. من دمي.. كنتي الحنان اللي عمري ما حسيته!!
كنتي الحياة اللي افتكرت إنها أخيرا رضيت عني..
بس في الآخر طلعتي الموت اللي كان مستنيني!!
ضحك ضحكة مشوهة مكسوره ميتة: ولا المشكلة كانت إن كنت بحبك زيادة عن اللزوم؟! المشكلة كانت إني غرقان فيكي؟ وانتي مش قادرة تهربي!! فقررتي تهربي بالطريقة الوحيدة اللي هتخلصك مني نهائي!!
وضع يده على قلبه كأن الألم أصبح حقيقيا كأن صدره يتمزق أمام الجميع ..وهمس بانكسار أشد:كل اللي كنت عايزه إنك تفضلي جنبي! كنت مستعد أعمل أي حاجة عشانك، كنت مستعد أقف قدام الكون كله!! قدام أي حد يوجعك !! حتى لو كان انتي.. بس انتي؟! بكل بساطة قررتي تموتي وتقتليني معاكي !!
ترك ذراعها عندما طال صمتها وهتف بقسوه :أنا كنت فاكرك أكتر واحدة في الدنيا بتحس بيا بس طلعتي آخر واحدة تعرفني!! اذا هنت عليكي يا وتين ؟!
نظر لها بانكسار ممزوج بالحسره واستدار وخطى نحو الباب عازما على الرحيل …
همسة بضعف وحاولت النهوض.. حاولت الوصول إليه والتمسك به.. ولكن جسدها لم يتحمل وترنحت وسقطت بعنف علي الأرض ..
صرخت زاد ..وتحرك جلال بسرعه.. نظر لها ايهم بقهر ورغم كل شيء لم يستطع تركها…
بدون تفكير عاد إليها ورفعها بين ذراعيه.. لكنه لم يكن الشخص الحنون المعتاد عليه.. لم يكن الرجل الذي يغرقها بعشقه ..بل كان الجريح الذي يعشقها حد الألم لكنه لن يسامحها ابدا …
وضعها على السرير ونظر لها بنظرات مليئة بالغضب والخذلان وهمس بجمود:حتى بعد ما دقتي الموت.. لسه بتتهوري.. لسه قادرة تفكري تسيبيني؟ لسه قادرة تبصي في عيني وتفتكري إني ممكن أعيش لو حصلك حاجة!!
رفعت يدها المرتعشه وحاولت لمسه وهمسه بانهيار تام ودموعها تنفجر بقوه : لاا … يا إيهم اسمعني ..
لكنه ابتعد.. ابتعد سريعا وكأن لمستها كفيلة بأن تهدم كل جداره يحاول بناءه الآن…
تحشرج صوته وغمغم بالم يوشك أن يمزقه: ما تقربيش مني.. ولا تقولي حاجه !! لو قربتي هضعف وأنا مش عايز أضعف.. ابعدي عني وارحميني من عشقك !! أنا مش هسامحك ابدا …
تركها، ورحل تاركها تغرق في دموعها ..خرج متماسكا ظاهريا لكنه في الداخل كان أكثر انكسارا مما قد يتخيله أحد..
………………………………..
في المساء …
عاد إيهم الي المستشفي.. وانحرف بالسياره بسرعه.. وهو ينظر لها بقهر يحرق صدره ..وهي بالكاد تتحرك ببطء شديد ..وصعدت سياره جلال بمساعدت زاد…
انطلق جلال بالسياره ..وأدار إيهم المقود بعنف وتحرك خلفه.. اسودت عينيه بلهيب حارق وهدر بغضب: غبيه مفيش فايده فيها.. تعبانه لسه وسابت المستشفى ..
ماشي يا وتين انتي اللي اختارتي !!
هز جلال رأسه بيأس وهو يري سيارة إيهم خلفهم وغمغم : الله يعينك علي دماغك وعليها !!
وصل جلال أسفل منزل بدريه وترجل من السياره وفتح الباب ..ترجلت زاد ومدت يدها الي وتين وغمغمت : تعالي يا قلبي علي مهلك !!
وصل ايهم وصف سيارته علي بعد مسافه قريبه وعض إصبعه بقهر.. وهو ينظر لها وهي تحاول النزول من السياره بصعوبه…
لو كان معها ما عانت هكذا .. لكان حملها بين أحضانه وحاوطها برموش عينيه.. ولا جعل أقدامها تلامس الأرض ابدا ..
لكن لو كان هذا ممكن ولكنه مستحيل الان..
تحركت وتين بصعوبه وهي تعض علي شفتها بالم ودموعها تقطر بحزن وحسره.. ترجلت من السياره سارت عدة خطوات وتعصرت وكادت تسقط فحاوطتها زاد بسرعه وهتفت: لاااا خدي بالك يا قلبي !!
قبض علي مقبض باب السياره بعنف ودموعه تحجرت بشده وهو ينظر لها …
تمسكت بها وتين ونحبت بصوت مقهور : حاسة روحي فرقتني يا زاد !!
اقترب جلال وقال : اوعي يا زاد خلينا اشلها بدل ما تقع في الشارع !!
اومات زاد برأسها وحاولت الانسحاب فتمسكت بها وتين وهزت راسها بالنفي بهستريه وهتفت: لالا مينفعش !!
حدق بهم إيهم بغضب حارق وفتح باب السياره بغضب حارق وعاصفه هاوجا تهدد بالانفجار منه واقتلاع الاخضر واليابس وووو
يتبع
ساحرة القلم ساره احمد