اصفاد العشق الهوس ( الفصل الثامن والثلاثون)

الفصل الثامن والثلاثون…
وإن وجدتِني صامتًا في حضرتكِ،
فلا تظني صمتي جفاءً،
فالأرض تُخفي في سكونها زلازل،
وكذلك أنا،
أخفي في صمتي بحورًا من العشق،
وبركانًا من الحنين،
لا يهدأ إلا حين تكتب أناملي،
وحين تُقرأ كلماتي.
فالكتابة ليست حروفًا مرصوصة،
بل هي أنينٌ مكتوم،
أو لهفةٌ صامتة،
أو صرخةُ قلبٍ أُنهك من الانتظار.
يقرؤها البعض فيبكون،
وآخرون يبتسمون،
ومنهم من يظن نفسه المقصود،
ومنهم من يسخر دون أن يشعر أن كل حرفٍ كان قلبًا عاريًا أمامه.
أُحبكِ… أهوى تفاصيلكِ حتى الغياب،
أذوب فيكِ حد الذهول،
يا أنثى اجتمعت فيكِ
البراءة، والفتنة، والسكينة، والجنون…
يا اميرة قلبي،
يا تاج روحي،
يا نبض حياتي،
ويا كلّي.
اندفع الأطباء والممرضات بسرعة من كل الجهات، واقتحموا العناية المركزة بجنون.. وصاح أحد الأطباء بصوت عالي : جهزوا جهاز الصدمات فورا..
سحب جلال نفسه بغضب من فريد وسامح ومراد..
واندفع الي زجاج العنايه المركزه وهو يشعر أن الهواء تجمد داخل صدره ..العالم كله تجمد ف هذه اللحظه..
الا دموعه التي تقطر من عينيه بقهر وغمغم: ياااااارب !!
انهارت عنايات على الأرض وهي تضرب صدرها بيدها وتصرخ:بنتي! يا رب رحمتك ببنتي! خد روحي يارب افديها بروحي …
ضمتها بدريه وهي ترتجف وتمسكت بيدها ولم تستطع قول أي شيء.. فقط تبكي بصمت …
بينما غرام تشهق، تحاول أن تتنفس لكنها تفشل …
انهارت وتين وترنحت ولم تعد تشعر بجسدها ..
اضطر ايهم أن يتمسك بها وضمها بحضنه وهمس : متخفيش امسكي نفسك.. عشان خاطري ..وخاطر خالتك وامك !!
جذب حمزه شعره بعنف وقلبه يعتصر بالم ودموعه تقطر بجنون…
لكن جلال لم يكن يسمع أي شيء ..كان فقط يراقب من خلال الزجاج… يرى الأطباء وهم يحاولون إنعاش قلب زاد…
يرى جسدها الضعيف ينتفض تحت تأثير الصدمات الكهربائية وكان يموت معها…
كل لحظة كانت تمر كانت تسحب جزءا من روحه معها
وأخيرا وبعد لحظات كانت أطول من العمر نفسه…
ارتفع صوت جهاز مراقبة نبضات القلب مجددا
ضربات ضعيفة خافته لكنها عادت …
شهقت وتين وقبضت علي ذراع ايهم ..وانهارت غرام ف حضن حمزه ..ونهضت عنايات تبكي وهي تحمد الله وبدريه معها تربت على يدها …
خرج الأطباء وهتف أحدهم : الحمد الله اتكتبلها عمر جديد !!
تمسك به جلال وهمس بصعوبه : عايز اشوفها ارجوك !!
أشار له ايهم برأسه و اوما الطبيب وغمغم : بس ياريت دقيقتين بس !!
اوما برأسه بجنون وتحرك مع الممرض للتعقيم…
ودلف الي غرفة العنايه ..اقترب منها ومسك يدها بحذر شديد ..وهو يمسح دموعه بقهر وغمغم: ارجعلي يا زاد حياتي.. أنا هموت من غيرك أنتي عارفه انك !!
همس بصوت لا يسمعه سوى قلبه الذي كاد يفقدها للأبد : عارفه انك كل حياتي أنا هموت لو مفتحتيش عيونك يا حياتي ..
انحني وطبع قبله ناعمه علي أطراف أصابعها…
وبلا أصابعها بدموعه وشهقته شقت سكون الغرفه من حوله ….
بعد مرور ثلاث ايام ….
كان الظلام خانقة ثقيلا يطبق على صدره ككابوس لا ينتهي… لكنه لم يكن ظلام الليل، بل ظلام العجز، الانتظار، والأمل المعلق بين السماء والأرض….
لم يغادر جلال الغرفة منذ ثلاثة أيام.. وعينيه لم تذق طعم النوم ..ولحيته غير المهندمة شاهدة على ألمه…
وعلى الكرسي المجاور لفراشها جلس متصلبا ..
يحدق في ملامحها الشاحبة بعيون يملؤها الرجاء …
أصابعه تتشابك حول يدها الباردة يضغط عليها برفق كأنها طوق نجاته، كأن دفئه وحده قادر على إعادتها للحياة…
وقف أيهم وسامح ومراد يراقبون صديقهم بصمت يعرفون أن الكلمات لن تفيد، وأنه مهما حاولوا إقناعه بالراحة، فلن يتحرك قيد أنملة من مكانه….
ووتين تجلس على الأرض كطفله يتيمه فقده والدتها ولم تعد قادره على فعل أي شئ…
أما عنايات، فكانت تهمهم بالدعاء بين دموعها التي لم تتوقف، بينما غرام تمسك بكتف حمزة، تحاول تهدئته وهي بالكاد قادرة على تهدئة نفسها…
الصمت كان سيد اللحظة، لا يقطعه سوى صوت الأجهزة الطبية الرتيب، أنفاس زاد الهادئة، وتلك النبضات التي كانت تدوي في صدر جلال، تخبره أن روحه بين يديها، تنتظر فقط أن تمنحه إشارة للحياة…
وفجأة .. حركة خفيفة…
شعر بها جلال قبل أن يراها.. توقفت أنفاسه وجفونه انتفضت عندما أحس بضغط بسيط على أصابعه….
رفع رأسه كالمجنون، وجحظت عينيه وكل خلية في جسده تجمدت للحظة ..ثم رآها!! جفون زاد ترتعش.صوت أنفاسها تغير….
ورموشها انسدلت ببطء ثم ارتفعت مرة أخرى، تكشف عن عينيها الساحره التي ظلت مغلقه طويلاً…
للحظة لم يصدق لم يستوعب كأنه يخشى أن يكون مجرد وهم خلقه عقله المرهق…
خرج صوته أجش مرتعش محملا بيأس الايام الماضية: زاد!!
نظرت له أخيرا وببطء ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيف بالكاد مرئية لكنها كانت كافية وهمسة بضعف شديد: جـ جلال !!
ضرب همسها ف صدره كزوبعه انتفض جسده بالكامل وصرخ باسمها : زااااااااد !!!
وفي ثواني اندفع الجميع نحو الزجاج الفاصل شهقت عنايات ووضعت يدها على قلبها ودموعها تحولت من حزن إلى فرح هستيري،
ضم حمزة غرام بقوة وكأنه لا يصدق، واطلق وأيهم تنهيدة ارتياح طويلة، ومرر يده في شعره بينما يبتسم أخيرا ..وضم وتين حتي رفعها من علي الأرض …
جلس مراد وسامح اخيرا وزفرا ببطء ولكزه مراد وتمتم بتعب : الحمد لله !!
أما جلال فكور وجه زاد بين يديه وأصابعه تتفحص ملامحها كأنه يحاول أن يتأكد أنها ليست سراب عينيه…
امتلأت عينيه بالدموع التي قاومها طويلًا، ثم غرق في شعرها، يقبل عنقها بجنون، يتمتم بصوت مختنق:
الله يسامحك يا زاد علي اللي عملتيه فيا يا روحي !!
ابتسمت زاد بضعف، ورفعت يدها بجهد، ولمست وجنته، همست : انت كويس يا جلال؟!
لم يستطع جلال التحمل أكثر ..وشهق وضحك بين دموعه، ضحكة مخنوقة بالألم والارتياح، ثم ضمها إليه، دفن وجهه في عنقها، وهمس بجنون: هبقي كويس يا حياتي.. هبقي كويس !!
بدأ الممر طويلا جدا ..وزاد تنقل على السرير المتحرك، لكن هذه المرة، لم تكن وحدها بين الأجهزة والصمت القاتل…
كانت محاطة بمن تحبهم جميعا بوجوه مشرقة بدموع الفرح، بقلوب نابضة بالحياة من أجلها…
كان جلال يسير بجانبها يرفض أن يبتعد ولو لثانية. يده تمسك بيدها كأنها حبله الوحيد للنجاة،
بينما عينيه لا تفارق وجهها. كل نفس تأخذه، كل رمشة من عينيها، كان يراقبها كما لو أنها كنزه العائد من الضياع…
كانت عنايات تمسح دموعها بطرف طرحتها وهي تردد الأدعية، تارة تحمد الله وتاره تشكر فضله عليها …
ربتت بدريه علي منكبها تواسيها بدموع الفرح وهتفت :
كنتي هتطلعي روحي، كنتي هتموتيني عليكي يا روح أمك!
ابتسمت زاد بتعب شديد وهزت راسها بالنفي…
كان حمزه يمسك يد زاد الثانيه ويسير معها وهو ينظر لها بفرحه يراقبها.. بنظرة عميقة ..بينما يضع يده حول كتف غرام التي كانت تمسح دموعها بصمت، غير قادرة على تصديق أن الكابوس انتهى أخيرا!!
أما أيهم، فكان يسير في الخلف ويضم وتين إليه ويضحك وهو يربت على كتف جلال بسخرية:
مش قلت لك هتفوق؟ دي زي القطط بسبع ترواح ولا ايه يا زوزه!!
ضحك مراد وهو يضربه بمرفقه: طب لم لسانك ده .. واسكت شوية… جلال اتحمل لحد اخر لحظه ..
الدور والباقي علي اللي قلبه وقف ف ساعتها !!
ضحك الجميع بصخب وهتف إيهم: انت عمرك شوفت قلب عايش من غير وتينه ؟!
ضحك سامح بخفه وقال لمراد : جاوب يا مارد !!
هز رأسه وتمتم: لا طبعا …
رفع ايهم يده وضم وتين بقوه وقال : بس كده ..وتين هي وتين قلبي من غيره قلبي يوقف طبعا !!
ضحك الجميع بمرح وخجلت وتين ولكزته بخفة وهمسة : بس بقا ..
حين وصلت زاد إلى الغرفة العادية كانت المفاجأة بانتظارها…
كانت الغرفه كلها مغطي بأوراق الورد والسرير كان مغطى بملاءة وردية ناعمة، وباقة زهور كبيرة وضعت بجانبه في وسطها وردة حمراء واحدة….
رمشت زاد ونظرت إلى الوردة ثم رفعت رأسها الي جلال، الذي كان واقفا عند طرف السرير، ينظر إليها بنظرة جعلت قلبها يخفق وهمسة بابتسامة ضعيفة: حلو اوي!! كل ده منك ؟؟
اقترب منه ببطء وانحني نحوها وهمس بصوت منخفض، لكنه مليء بالجنون: دي من قلبي… لسه عايزة دليل تاني إن قلبي ملكك ؟!
هزت راسها بالنفي وابتسمت بوهن…
وقف الجميع يراقبهم بفرحه وسعاده ودموع فرحه لم تستطع عنايات كبح فرحتها وزغردت بحماس ..
بينما صاحت بدريه بفرحه :يا حبيبتي يا زاد، نورتي الدنيا يابنتي !!
وقف والد جلال علي بابا الغرفه بغضب وهدر: أنا معرفتش اربيك يا جلال !!
توقف الجميع بصمت ونهض جلال وسار الي والده بخطواط سريعه وهتف : حمد الله علي السلامه يا باشا..
لكزه بقوه وهتف: عشان كده بوظت الصفقه ..وخليتني اسافر بعد ما رجعت بيوم؛ عشان الكارثه اللي هتحصل !!
ضمه جلال وهتف: حقك عليا يابابا.. كنت لازم اطمن علي سلمتك ..انت وزاد!! بس طبعا كالعاده زاد لازم متمشيش علي المتوقعه !!
ربت والده علي منكبه وقال: انت كويس يا حبيبي …
اوما برأسه وقال: الحمد لله يا حبيبي !
اقترب والده من زاد وقبلها علي جبهتها وتمتم بحنو : حمد لله على السلامه يا بنتي !
اومات بضعف وهمسة : الله يسلامك يا بابا ..
اقترب منها جلال وجلس بجانبها وأمسك يدها بين يديه، ثم همس بخفوت: خلاص يا حياتي الكابوس انتهاء!!
زاد نظرت إليه، ابتسمت رغم دموعها، ثم أغلقت عينيها براحة للمرة الأولى منذ زمن… وهي تعلم أن جلال بجانبها، ولن يرحل أبدًا.
عند مدخل الغرفة، دوى صوته مازحا، قاطعا السكون الثقيل: منك لله يا بلوة… كنتي هتموتي الراجل بحسرته!
استدار الجميع نحوه بدهشة، فيما ارتسمت على وجه زاد ابتسامة باهتة، وهمسة بصوت مبحوح يكاد لا يسمع:
الله يسامحك… مش هرد عليك دلوقتي.
ضحك جلال واقترب بخطوات واثقة من فريد، واحتضنه بحرارة: حبيبي… أنا تعبتك أوي!
ربت فريد على ظهره، ورد بنبرة ساخرة تخفي خلفها أطنانا من الحب : بس يالا… مش عايز أشتمك قدام نسيبك!
ضحك جلال وهز رأسه وقلل : أصيل يا دنجوان!
أغلق عينيه بيأس وهتف: وأنت واطي… اوع من وشي!
ضحك جلال بمرح ، والتفت بعينين صادقتين إلى عهد، التي كانت تتعلق بذراعه بخجل أنثوي مرهق…
كان وجهها شاحب، وجسدها ينوء بثقل لا يطاق. بطنها المنتفخة التي تحمل ثلاثة أرواح كانت تسبقها بخطوة،
تفضح كم ما قاسته من ألمٍ وإعياء.
ورغم كل هذا، كانت عيناها تبحثان عن زاد بشوق أختي، وقلب لا يعرف الاستراحة.
هتف جلال بدهشة مشوبة بالعطف: تعبتي نفسك وجيتي يا مدام عهد؟! انتي تعبانة، وفريد ما سابنيش ولا لحظة بقاله تلات أيام… إيه اللي جابك؟
هزت عهد رأسها وهي تبتسم برقة بالغة، كأنما تخفي تحتها نهرا من الألم: مقدرتش… كنت عايزة أطمن على زاد بعيني.
في تلك اللحظة، أمسك فريد بخصرها بحذرٍ بالغ، كما لو كانت بين يديه كنزا هش، ثم وضع يده الأخرى على بطنها بحنان مهتاج، ونظر لجلال بوجه أنهكه السهر والقلق وقال: والله قولت نفس الكلام… بس نعمل إيه؟ دماغها ناشفة… دماغ كلب يا عم!
ضحكت عهد بأنفاس متقطعة، ثم اقتربت من زاد التي ما إن رأتها حتى رفعت ذراعيها باتجاهها. انحنت عهد نحوها، واحتضنتها بشوق موجوع، وهمسة بصوت اختلط فيه البكاء بالاطمئنان: ألف بعد الشر عليكي يا حبيبتي… قلبي كان هيتقطع عليكي!
ربتت زاد على ظهرها بصوت مرهق غائر: الله يسلمك يا قلبي… تعبتي نفسك وانا عارفة ظروفك.
استقامت عهد بمساعدة فريد، وقالت بشيء من الانفعال:
معرفتش أستنى… أنا كنت هتجنن والله!
اقتربت عنايات منها، وربتت على ذراعها بحنو أمومي صادق: يا ضنايا كتر خيرك… بطنك قدامك، وتعبانة، وعذرك معاكي يا بنتي.
ابتسمت عهد ومسحت دمعة تسللت من زاوية عينها، ثم قالت: لا أبدًا يا طنط… دي زاد أختي، وغالية عليا أوي.
اقتربت وتين وهي تمسك بكرسي خشبي، وضعته خلف عهد وقالت برقة: اقعدي يا حبيبتي… ارتاحي شوية.
ابتسمت عهد، فجلست بمساعدة فريد بتأن وكأن عظامها تتوسل للراحة. ضمتها وتين برفق، وهمسة: ربنا يقومك بالسلامة يا عهد.
ردت عهد بامتنان: يارب يا وتين… وعقبالك يا نونو!
ربتت بدرية على ظهر عهد وقالت وحنان: ياختي على الجمال ده كله! البنات ملهمش سيرة غيرك يا حبيبتي.
ضحكت عهد بخجل وهمسة: دول أخواتي… وغاليين عليا أوي.”
قاطعهم فريد بصوت حازم جعل وتين وبدريه وعنايات يتراجع بصمت …
وكأنه لا يتحمل انشغل عهد عنه باي أحد…
جثا علي قدمه بجانب الكرسي ، ورفع كفها بين يديه وقبله عدة قبلات هادئة دافئة، وهمس وهو ينظر لعينيها: تعبتي… نروح يا عهدي؟
هزت رأسها برفق وهمسة بخفوت: شوية كمان يا حبيبي… شوية بس.
أومأ برأسه بانقياد كلي، كمن لا يرى ولا يسمع إلا هي، وقال: أمرك… شوية كمان.
في الخلف، كان مراد يراقبهما بدهشة غامضة، ثم مال على سامح وهمس بنبرة مندهشة: يا نهار إسود… مين النحنوح ده؟!
ضحك سامح وقال بخفوت: الدنجوان… النسخة المطورة!
قهقه جلال وهو يتكئ إلى الوراء وقال: انت كنت مسافر مشفتش حاجه … أنا اشتغلت معاه في مأمورية وشوفت منه العجب !
غمز له مراد وقال بسخرية: أكتر من محنك مع زاد؟!
أومأ جلال وقال وهو يشير بعينيه لفريد:بص وشوف بعينك!
كان فريد ما يزال ممسكا بيد عهد، ينظر إليها وكأنها آخر ما تبقى له من هذا العالم، وكأنها حياته كلها متوقفه علي أنفاسها وعلي نظره منها ، ومهما ضجت الغرفة، لم يكن يسمع غير أنفاسها.
هتف مراد مناديا : فريد!
رفع فريد نظره وقال ببرود: عايز إيه؟
رفع مراد حاجبه وسأله بدهشة: إحنا كنا بنتكلم عليك… إنت سامعنا؟
هز فريد رأسه وهو يرد بصدق مطلق: لأ… ف إيه؟
ضرب مراد كفا بكف وهتف : يا نهار إسود… مين ده؟!
انفجر الجميع ضاحكين، فهتف فريد بنبرة نصف جادة، نصف مرحة: مالك يا لا … لمّ نفسك بدل ما أقوم ألمك! في ستات قاعدة، ومش عايز أطول لساني…
ضحك الجميع، وأضاف أيهم وهو يومئ له: أنا حاسس كده برضو… إنت ماسكه بالعافية!
ضحك فريد بصدق، ثم رفع حاجبه وقال: آه والله يا دكتور… على آخره!
قهقه جلال وقال بمكر: لسانك…
غمزه فريد بعبث وقال: والله هقول السر!
ضحك جلال وهتف: خلاص… قلبك أبيض.
بعد انصراف الجميع وغفت زاد لبعض الوقت …
……………………………………
مرور وقت طويل استيقظت زاد ..وجدت جلال ينام بجانبها بتعب شديد.. وإرهاق اكل ملامحه..
مسحت علي رأسه بحذر وهمسة : حبيبي ..
اعتدل ورمش بعينيه ونظر لها بخوف شديد وغمغم : مالك يا قلبي ؟!
اومات برأسها وهمسة: لا مفيش حاجه ..أنا كويسه بس انت شكلك تعبان اوي.. لازم تروح ترتاح !
مسك يدها وقبلها وتمتم: انسي أنا اسيبك تاني..
احنا هنخرج من هنا رجلي علي رجلك ..بس انا زعلانه منك يا زاد ؟!
اومات برأسها وقالت: أنا عارفه!! حقك عليا أنا غلطانه …
ضحك بمرح وقال: لالا.. انت اعترفتي بغلطك واعتذرتي من غير مقاوحه مش مصدق ؟!
رفعت يدها على صدره وهمسة: كان لازم تقولي قبل ما تبعتني مع رباب.. مش تنيمني كده واصحي القي نفسي ف العربيه !! طبيبعي اتجننت.. كنت خايفه عليك !!
قبل يدها وهتف: عشان كده ضربتيها بالنار يا مجنونه ..حقك عليا!! بس انا كنت عارف انك مش هتوافقي.. وكنت خايف عليكي ..
مسحت علي وجنته وهمسة: انا كنت مرعوبه عليك !! محستش بنفس كنت مستعده اعمل اي حاجه المهم اطمن عليك يا روحي !!
قبل شفتيه بقبله عميقه وكأنه يختم شفتيها بشفتيه وهمس : خلاص من النهارده مش هنفكر ف اللي فات المهم اللي جاي ..
هزت راسها وهمسة: طلما اللي جاي معاك ميفرقش معايا !!
……………………………………
مساء ف شقة سامح ..
دلف سامح الي شفته بتعب وهتف : ميرا…
اندفعت ميرا إليه والقت نفسها باحضانه وضمها إليه وشدها من علي الأرض وغمغم : وحشتيني اوي يا بسكوتي!!
لكزته في منكبه وصاحت بدموع : كل ده وقت سامح انا كنت اتجنن !!
مسح على شعرها بحنان وقبلها بجانب أذنها وغمغم: أنا آسف.. بس انتي متعرفيش اللي حصل؟!
انزلقت من أحضانه وقالت : ايه حصل سامح!! انتي كويس؟!
اوما برأسه وقال: أنا كويس.. بس زاد !!
انقبض قلبها بعنف وارتجفت شفتيها وهمسة : مالو زاد ؟!
بلع لعابه بصعوبه وقال: زاد في المستشفى من كام يوم.. العربيه اتقلبت بيها من فوق الجبل.. وكانت بين الحياه والموت !!
شهقت برعب ودموعها انهمرت بغزارة وهرولت الي باب الشقه وهتف : ياإلهي !!
تمسك بها بقوه وهتف بغضب : استني انتي اتجننتي؟ هتنزلي كده ازاي !!
نظرت إلي نفسها وهي تنحب وتشهق وهتفت : خدني سماح المستشفى ارجوك !!
ضمها بحنو وقبلها اعلي راسها وغمغم : اهدي يا حبيبتي هي كويس دلوقتي ..وحالتها استقرت ..ونقلوها من العنايه لي اوضه عاديه كمان !!
نظر لها واردف: وانا تعبان اوي.. لي كام يوم مدقتش طعم النوم ..اريح كده ساعتين وننزل سوا !!
مسحت دموعها وتمتمت : هو كويس سامح؟!
نظر لها والي قميصها البيتي الملفوف حول جسدها بإغراء مهلك وغمغم : هي كويسه!! أنا اللي مش كويس يا بسكوته…
نظرت له بدهشة وفتحت فمها ..ولكنه سبقها وهبط علي شفتيها بقبله عميقه حارقه بشتياق قاتل….
شهقت وهي تتمسك به وطوقت عنقه بذراعيها…
التهم شفتيها بعمق ..وارتشف من عسلها وهو يتراجع بها الي اقرب اريكه ..وهبط فوقها يمتص لسانه بداخل فمه… ويده تعبث بجسدها لحظات وهمسة بصوت مثير ناعم: لااا سامح !!
انزلق الي عنقها وامتصه بشغف وهمس: ليه يا قلبي انتي مراتي ؟!
حاولت التملص ودفع بقوه وغمغمت: لا استنا الفرح لاااا
تراجع قليلا ونظر لها بدهشه وغمغم : اشمعنا بقا ؟!
بلعت لعابها بخجل وهمسة: زاد قال كده مش تلمسني قبل الفرح !!
رفع حاجبه وعض شفته بحنق وغمغم: وانا اللي عيط عليها البلوه دي.. ماشي يا جلال !!
مسحت ميرا علي وجنته وهمسة: هبيبي انتي تحب أنا كتير ؟!
التهم شفتيها بجوع ولهفه وهمس : بموت فيكي يا ميرا …
تنهدت بعمق وهمس بخجل : انتي اسمع كلام أنا سامح !!
دفن رأسه ف عنقها وهمس بأنفاس ساخنه: بتمسكيني من ايدي اللي بتوجعني يعني ؟!حاضر يا ستي !!
ضمته بلهفه وهمسة: احبك جدااا سامح احبك ..
ضمها بقوه وغمغم: بعشقك يا بسكوتي ..
…………………………………………….
بعد مرور أسبوع في مكتب ايهم …
سارت وتين وهي تشعر أن قلبها على وشك أن يتوقف من التوتر.. توقفت أمام مكتب أيهم ..وعقلها يعمل بأقصى طاقته ليجد الطريقة المناسبة لإخباره…
لكنها لم تستطع أن تؤجل أكثر دفعت باب مكتبه ببطء، فوجدته جالس خلف مكتبه غارقا في الأوراق والتقارير حاجبه معقود، وعيناه مركزتان على الشاشة أمامه، لم يلحظ وجودها في البداية….
تنفست بعمق وتمتمت بصوت خافت: أيهم!!
رفع رأسه فورا، ونظر لها وفي ثواني قرأ كل شيء في عينيها ..نهض بسرعه واقترب منها وحاوط وجهها بين يديه وغمغم بقلق : في إيه يا قلبي مالك ؟!
بلعت لعابها بصعوبة وردت بحذر : باباك خسر كل فلوسه، وتعب وجابوه المستشفى !!
في لحظة، تغير كل شيء وجه أيهم تجمد تماما، كأنما الكلمات لم تصل إليه بعد، لكن وتين رأت كيف تصلب جسده، كيف فقد عينيه لمعانهما في ثانية واحدة.
وغمغم بخفوت : إيه ؟!
اقتربت منه وقبضت علي يده وتمتمت بلين : أيهم، أبوك كان عنده أزمة صحية بعد ما خسر كل حاجة، اضطروا ينقلوه المستشفى.. أنا جيت لك أول ما عرفت!!
الفراغ فقط الفراغ هو ما شعر به أيهم في تلك اللحظة…
عقله توقف للحظة وكأن الهواء من حوله اختفى، وكأن الزمن تجمد وغمغم بهدوء : خسر كل حاجة!! هو كان فاكر نفسه هيكسب كل حاجه ف الآخر ؟!
دب القلق بقلبها من نبرته البارده والهدؤء الذي يغلف صوته.. ووضعت يدها علي صدره وهمسة : ايهم !!
رفع يده في إشارة منه ألا تكمل وتحرك الي النافذه ووضع يده ف جيب بنطاله والتزم الصمت …
شعرت القلق يفتك بقلبها واقتربت منه وحاوطت خصره ووضعت راسها علي ظهره العضلي وهمسة : أنا عارفه إن علاقتك بأبوك معقدة.. وفيها مشاكل كتير بس… هو أبوك، وأنت لازم ..
قطع جملتها بصوت اجوف فارغ من اي مشاعر : لازم ايه يا وتين؟ أنا مش ملزوم باي حاجه للناس دي!!
استدار ونظر لها بنظره تحمل هدوء مخيف وقال :
أروح له؟ أواسيه؟ أقول له إيه؟ إنه بعد ما قضى سنين يعاملني كأني مش موجود، جاي دلوقتي علشان يطالب مني أبقى ابنه !!
شعرت وتين بوخزة في قلبها من كلماته لكنها لم تستسلم كورت وجهه بين كفيها الصغيرين وهمسه بحنو : أيهم… مهما كان هو أبوك.. وإنت مش زيه، مش هتسيبه دلوقتي !!
نظر لها مطولا ثم ضحك ضحكه قصيره خافته خاليه من اي سعاده وقال : أنا مش زعلان يا وتين… بس مش عارف حتى أنا حاسس بإيه!!
بس اللي متأكد منه إن اللي بيحصل ده مش مفاجئ لي.. أنا كنت متوقع يجي اليوم اللي يقع فيه..
بس مش عارف المفروض أحس بإيه دلوقتي ؟!
اقتربت منه وضمته بحنان وهمسة : ممكن تكون مش عارف حاسس بايه .. بس اللي متأكدة منه إنك مش هتقدر تتجاهل ده!! ولازم تروح له يا حبيبي !!
ضمها بقوه وكأنها نقطة الثبات الوحيدة وسط العاصفة التي اشتعلت داخله وبعد لحظات من الصمت، زفر أنفاسه ببطء، ثم هز رأسه أخيرًا، كأنه استسلم وقال : طيب تعالي معايا !!
ابتسمت له برقة وقبضت على يده أكثر وقالت : أنا معاك يا أيهم علي طول !!
…………………………………
وقف أيهم أمام باب الغرفة وتنهد بثقل.. قبضت وتين علي يده وهزت راسها بالايجاب.. نظر لها وتنفس بعمق وفتح الباب ودلف وخلفه وتين …
وقعت عينيه على جسد والده الممدد على السرير الرجل الذي لم يكن يوما أبا له ..لكنه رغم كل شيء والده!!
كانت سلوي تجلس بحنق بجانبه وتهز قدمها بعصبيه مفرطة نظرت له بنزق وهتفت: اخيرا افتكرت تسأل ؟!
نظر له والده بنظره مرهقه منكسره والتزم الصمت
نظر لهم بخواء وغمغم : عامل ايه ؟!
اوما والده بضعف رجل فقد كل شىء تماما كما فقده أيهم ذات يوما بسببه : الحمد الله ..
هز ايهم رأسه وهو لا يشعر بأي انتصار لا شفقه لا غضب فقط فراغ غريب يسري في داخله…
قبض علي يد وتين وتحرك بتجاه الباب وسحبها معه ف صمت …
……………………………………..
بعد مرور يومين …
كانت وتين بين رعايتها لزاد وبين اهتمامها بأيهم لم تتركهم لحظة، كانت تراقبه وهو يتابع حالة والده بصمت،
وهو يتحرك بين الأطباء، وهو يجلس ساعات طويلة دون أن ينطق بكلمة….
رأت الألم في عينيه، الألم الذي لم يعترف به حتى لنفسه، لكنها شعرت به في كل نفس يأخذه، في كل مرة يشيح بعينيه بعيدًا عندما تذكر اي شىء عن والده …
أخيرا جاء اليوم الذي سمح فيه الطبيب لوالده بالمغادرة.
وقف أيهم أمام سرير والده وعيناه ثابتتان على الرجل الذي يبدو الآن… مكسورا تماما كما كسره هو يوما…
تحدث الطبيب ببضع كلمات لكن أيهم لم يكن يسمع. كان يسمع فقط صوت داخله… صوتا يذكره بكل ليلة قضاها وحيدا،
بكل مرة احتاج لوالده ولم يجده، بكل مرة نظر إليه ولم يجد في عينيه أي اهتمام…
لكن رغم ذلك، رغم كل شيء… لم يستطع أن يدير ظهره له الآن ولي وتين الفضل الأكبر ف هذا …
عند السيارة…
وقف والده والدته بجانب السياره قبضت وتين علي يده وهمسة: عشان خاطري !!
نظر لها بحنو وتنفس بعمق وأشار لهم وغمغم : اركبوا
نظرت له والدته بدهشة، لم تتوقع أن يعرض عليهم مكانا، بعد كل ما فعلوه به. همسة بتردد: أيهم إحنا !!
قاطعها بحده لم يكن يريد نقاش.. لم يكن يريد أي تبريرات : مش بعمل ده علشانكم !! بعمله علشان نفسي،
علشان مقدرش أسيبكم في الشارع، بس ده مش معناه إني سامحت أو إني نسيت!!
الموضوع منتهي بالنسبه لي …
كانت كلماته كالسكاكين جعلت والدته تخفض رأسها بينما والده ظل صامت كأنما لا يجد ما يقوله…
تمسكت وتين بذراعه حتي يهدء قليلا ..وكأنها القت عليها تعويذة حنان ..اغمض عينيه وفتح باب السياره نظرت لها سلوي بذهول تام …
وصعدت السياره وخلفها والده..
ووتين وأيهم وانطلق الي شقتهم لم تترك وتين يده طوال الوقت.. كأنها تعلم أن هذه اللحظة ستطارد أيهم لوقت طويل لكنه كان يحتاج أن يواجهها…
لأنه رغم كل شيء لم يكن يستطيع تركهما لكنه أيضا لم يكن يستطيع مسامحتهما !!
مر الوقت بصعوبه حتي توقف ايهم أمام البنايه وترجل من السياره جميعا وصعدوا الي الشقه …
وفتح باب الشقه .. ودلف والده ووالدته وهي لا تستوعب ما فعله ايهم معهم.. أما والده فظل صامتا، لا ينظر إلى أيهم مباشرة، بل يشيح بوجهه كأنما يرفض الاعتراف بالواقع الجديد الذي أصبح فيه!!
وقفت وتين بجانب أيهم، تتمسك بيده .. لم تتكلم لكنها كانت تشعر بكل ما يدور داخله، كل الصراعات التي لا يتحدث عنها…
تنفس أيهم بعمق وقال بصوت جامد، حاسم:الشقة دي بقت بتاعتكم وهيوصلكم مرتب شهري يكفيكم ويكفي أي احتياجات !!
نظرت إليه والدته
بسرعة، وكأنها تريد الاعتراض، لكنه لم يمنحها فرصة، أكمل ببرود: أنا مش بعمل ده علشانكم بعمله علشان ضميري علشان مفيش حاجة تربطني بيكم تاني …
هزت راسها بحنق وهتفت: هتفضل كده لحد امتي احنا اهلك يا ايهم !!
قاطعها بنبرة قاسية وعينيه باردتان كالجليد:عيلتي؟ فين كانت العيلة دي لما كنت بنام لوحدي في مدرسة داخلية؟ فين كنتوا لما كنت بحتاج كلمة واحدة؟ حضن واحد؟ شوية اهتمام أو حنيه
نظر الي وتين بحنان يفيض من عينيه وهتف : اهلي اللي كانوا هيحرموني من وتين قلبي ويموتوني بحسرتي ؟!
إشارة له وردت: احنا كنا بنعلمك تعتمد ع نفسك وادي النتيجه دكتور ناجح و
قطعها بضحكه ساخره وهتف : المشكله انك لحد اللحظه دي.. فاكره نفسك انك كنتي صح ف كل حاجه عملتيها فيا ..
مش عارف هتفهمي امتي انك خسرتيني يا سلوي هانم !!!
صمتت والدته بعجز عن الرد لاول مره.. أما والده فظل صامتا وكأن الكلام لا يعنيه ..وكأنه يرفض الاعتراف بأي شيء!!
نظر لهم أيهم طويلًا، ثم زفر بنفس متعب، قبل أن ينطق بالكلمات الأخيرة التي حسمت كل شيء: ده آخر حاجه ممكن أعمله مفيش أكتر من كده !!ولا حتى كلمة زيادة…
واستدار ومسك بيد وتين وسار نحو الباب وخرج وأغلق الباب خلفه.. تاركا خلفه كل شيء.. تاركا ماضي اسود كاد يغرق به دون بر نجاه …
وصل السياره وفتح الباب وصعدت وتين ثم صعد السياره وانطلق نظر لها وقال : وتين انتي روحتي لسلوي قبل كده ؟!
نظرت له وبللت شفتيها وهزت راسها بالنفي وردت: لا.. اروح ليه؟!
اوما برأسه وقال: لا.. متخديش ف بالك !!
………فلاش باك………
شردت وتين تذكر هذا اليوم الذي ذهبت الي سلوي ولكنها وجدتها تخرج من الفيلا ..وتصعد سيارته وتحركت…
اومات زاد برأسها وقالت: رايحه فين الوليه دي.. ف الوقت ده ؟!
هزت وتين راسها بالنفي وغمغمت: مش عارفه !!
تحركت زاد خلفها حتي وصلت سلوي الي مكان علي النيل ..وترجلت من السياره وتحركت الي عوامه ترسوا بجانب النيل ..ودلفت…
تحركت وتين وزاد خلفها بحذر وجحظت عينيهم عندما وجدو سلوي بين أحضان رجل مجهول الهوية بالنسبه لهن …
حاولت وتين سحب زاد وهمسة : يا نهار اسود يلا نمشي !!
تمسكت بها زاد وهزت راسها بالنفي وغمغمت: لا هنستنا دي فرصتك يا موكوسه اصبري !!
انتظرت حتي خرجت سلوي من العوامه وفجأة ظهرت زاد ووتين أمامها… نظرت له بدهشة وصاحت بنزق : انتو بتعملوا ايه هنا يا بت انتي وهي ؟!
هزت زاد رأسه وتمتمت بخبث : اصلا الجو هنا حلو اوي يا سلوى هانم ..بس انا هقولك انتي ادري اكيد !!
هتفت سلوي بنزق: قصدك ايه يا بت انتي؟!
ضحكت وتين وقالت : قصدها لو مبعتيش عني وعن جوزي احنا هنفضحك يا حماتي!!
ضحكت سلوى بصخب وهتفت : مبقاش غيرك انتي يا مجنونه تهدد!!
إشارة لها وتين واخرجت الهاتف وهتفت : عشان مجنونه خافي مني!! انا مش مسئوله عن تصرفاتي !
تراجعت سلوي وهي تنظر إلي فيديو لها بأوضاع منحله مع هذا الحقير وصاحت : أنا هوديكم…
قطعتها زاد بحده ؛ هتودي نفسك يا خالتي… اهدي كده وحطي عقلك ف راسك احسنلك …
تحركت زاد ومعها وتين وصعدت السياره وانطلقت.. تحت صدمه سلوي ورعب يفتك بقلبها …
مسكت وتين الهاتف وقامت بمسح الفيديو ..نظرت لها زاد بغضب وهتفت : مسحتيه ليه ؟!
هزت راسها وهمسة: عشان ايهم !!ولا عشت ولا كنت يوم ما اكسر عينه قدامي بحاجه زي دي …
تنهدت زاد وغمغمت : عندك حق! بس هي إلا وليه قادره واضطرتنا لكده ….
…………عوده ………..
عاده وتين من شروده علي صوت ايهم بعد ما فتح باب السياره ومد يده وقال : يلا يا قلبي !!
نظرت له وابتسمت بحب وترجلت من السياره ودلفا سويا الي المستشفي …
……………………………………..
بعد مرور أسبوع …
أخيرا قرر الأطباء وسمحوا لها بالخروج …ساعدتها وتين ف تبديل ملابسها.. ودلف جلال وقال : خلاص يا زاد ؟!
اومات برأسها وقالت: خلاص يا روحي !!
اقترب منها وقبلها علي وجنتها وقال: يلا علي بيتنا يا حياتي !
مسك يدها وتحرك بها برفق الي الخارج ثم توقف وحملها بين ذراعيه شهقت بشده وهمسة : يا مجنون ..
ضحك بمرح وقال: مجنون بيكي ..
خرج بها من الغرفه وجد ايهم ينتظره وهتف : اخيرا ..مع السلامه يا زاد.. معاكي اجازه مفتوحه علشان الفـ ..
أشار له جلال بتحذير ..اغمض ايهم عينيه بيأس وهتف: مش عارف اعمل ايه ف لساني ده ؟!
قطبت حاجبيها وقالت: ماله لسانك يا ايهم !!!
هزت وتين راسها وهمسة: طويل اوي …
ضحك جلال وتحرك بزاد الي خارج المستشفى..
ووضعها في السياره برفق.. ودار حول السياره وصعد وانطلق بسرعه …
وهو يمسك يدها كأنه يرفض تركها للحظة، وكأنها لو أفلتت، ستتلاشى من بين أصابعه. لم يكن يتحدث كثيرًا، فقط يضغط على يدها بين الحين والآخر، تلك الضغطة التي تحمل بين طياتها كل ما يعجز عن قوله …
وزاد كانت ما بين الإرهاق والامتنان، جسدها لم يكن بالقوة التي تعرفها عنها، لكن روحها؟ روحها كانت تشعر لأول مرة منذ الحادث بأنها في أمان، لأنها بجانبه، لأنه هنا..
حتي توقفت السيارة أمام الفيلا حدقت زاد بها بذهول. لم تكن كما تتذكرها كانت جديدة تمامًا، كأن أحدهم محا آثار الدمار بعصا سحرية، وأعاد بناءها، جعلها أكثر حياة…
أكثر دفئا…
التفتت إلى جلال، عيناها تبحث عن تفسير، لكنه اكتفى بمراقبتها بصمت، وعيناه تلمعان بشيء أقرب للرضا، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة…
إشارة الي الفيلا وقالت : جلال… إنت عملت كل ده؟
اقترب منها ببطء حتى أصبح وجهه على بعد أنفاس منها، نظر في عينيها طويلا قبل أن يرفع يده إلى وجنتها، لمسها برقة جعلت جسدها يقشعر بالكامل وغمغم : كنتي فاكرة إني هسيبك ترجعي لمكان مدمر؟!
المكان اللي هتعيشي فيه لازم يبقى كامل… زيك يازاد حياتي !!
ضمته براحه وهمسة : بحبك ..
ربت علي منكبيه ومسك يدها وسحبها برفق إلى الداخل،
قلبها يدق بقوة غريبة، كأنها تدخل بيتها للمرة الأولى. كل شيء كان مثاليا، يحمل لمساتها ألوانها ذوقها حتي الرائحة العطرية المفضله لها …
لكن الصدمة الحقيقية كانت عندما فتح باب الجناح الخاص بها .
تجمدت مكانها وشهقت ثم وضعت يدها على فمها وهي تحدق أمامها بعدم تصديق في منتصف الغرفة، وقف فستان زفاف أبيض على مانيكان، يلمع تحت ضوء الشمس المتسلل من النوافذ…
لم يكن مجرد فستان، كان أشبه بأسطورة، تحفة صنعت خصيصا لها. القماش الناعم ينساب بانسيابية ساحرة، تطريزات دقيقة تزينه كأنه مرصع بالنجوم، تصميمه كان يحمل كل ما تحلم به يوما دون أن تنطق..
تحركت نحوه ببطء، عيناها تمتلئان بالدموع، لمسته بأطراف أصابعها وكأنها تخشى أن يكون مجرد سراب ..
خفق قلبها بجنون ومشاعر لا تستطيع تفسيرها تجتاحها من كل اتجاه. التفتت إلى جلال، والدموع تلمع في عينيها:ده… فستاني؟
ابتسم جلال وهو يراقبها وكأنه يستمتع بكل نفس تتنفسه، اقترب منها ببطء حتى أصبح خلفها تمامًا، ولف ذراعيه حول خصرها وسحبها إليه، دفن وجهه في عنقها وهمس بصوت عميق، متحشرج من فرط المشاعر: فستانك يا عروستي بس ناقص تلبسيه قدامي !!
ارتجفت أنفاسها، وأغمضت عينيها بقوة عندما شعرت بحرارة أنفاسه تلامس بشرتها، وبصوته الذي تغلغل في روحها كالنار….
لم تستطع المقاومة، استدارت نحوه فجأة، ألقت بنفسها بين ذراعيه بقوة، ضمت جسدها إليه كأنها تغرق فيه، كأنها تريد أن تصهر نفسها داخله….
تفاجأ للحظة، لكنه سرعان ما طوقها بذراعيه بجنون، رفعها عن الأرض وأخذ يدور بها في الغرفة، وضحكته الصافية تملأ المكان، وصوتها وهي تضحك ببكاء جعل قلبه يشتعل أكثر…
عندما توقف، لم يتركها، بل أنزلها ببطء حتى أصبحت عيناها مقابلة لعينيه مباشرة، همس لها وهو يمسح دموعها بأنامله: دموعك دي… أول مرة أشوفها مش من وجع، أول مرة تبكي من فرحة، وأنا اللي سببها… ده أغلى حاجة حصلتلي،يا زاد !؛
تأملت ملامحه، رأت في عينيه شيئًا أكبر من الحب، شيئًا يشبه العشق المستحيل، العشق الذي يحرق ولا ينطفئ…
ابتسمت رغم دموعها، ثم دفنت وجهها في صدره وهمسة بصوت مرتعش: وأنا عمري ما حسيت إني عايشة إلا وأنا في حضنك، ياجلال..
في تلك اللحظة، عرف جلال شيئًا واحدًا فقط…
أنه لن يتركها أبدًا، أنها له، أنها نصفه الآخر الذي ولد ليكمله .
……………………………………………….
في قاعة الاجتماعات ف المستشفى ..
كان أيهم يجلس على رأس الطاولة، عينيه تنتقل بين الملفات التي أمامه ..بينما يتحدث الأطباء عن الأمور الإدارية ..
الجو كان رسميا الجميع يناقشون مشكلة غياب الدكتور محمد طبيب الأمراض النفسية، الذي سافر في بعثة، مما جعل القسم بدون طبيب مختص…
تحدث أحد الأطباء، وهو يدير ورقة بين يديه:الحل اللي قدامنا إننا نعلن عن الوظيفة ونفتح باب التقديم!!
قاطعه طبيب آخر بدا وكأنه متحمس لفكرة معينة:
مش لازم نعلن، إحنا عندنا اسم جاهز وممتاز… الدكتورة حنين عز الدين !!
نظر له ايهم وتجمدت ملامحه لجزء من الثانيه لم يلحظ جموده الا وتين التي كانت تجلس بجانبه ..
أكمل الطبيب بحماس:حنين من أكفأ الأطباء النفسيين، وسمعتها نظيفة جدًا، و…
قاطعه صوت أيهم ببرود قاطع : مرفوض !! شوفوا اقتراح غيره…
ساد الصمت في القاعة لحظات حتي تحدث الطبيب وهو ينظر إلى أيهم بدهشة: ليه يا دكتور؟ حنين دكتورة شاطرة، وسيرتها الذاتية مميزة ..
رفع أيهم عينيه إليه، ونظر له نظرة ثابتة، خالية من أي انفعال لكن هتف بنبره حادة به بما يكفي لإنهاء النقاش:
قلت مرفوض!!
نظر الجميع إلى بعضهم البعض بعدم فهم، لكن لم يجرؤ أحد على الاعتراض. وتين فقط كانت تراقبه، تلك اللحظة الصغيرة التي تغير فيها وجهه، الشرود الذي لم يدم أكثر من ثانية لكنها رأته…
شرد ايهم وهو يتذكر كيف دمر حنين عز الدين وجعلها تترك البلد وتهاجر بلا رجعه ..
………..فلاش باك……….
كانت حنين تجلس في غرفة الكشف الخاصة بها، تتحدث مع أحد مرضاها، تسجل ملاحظاتها بدقة، كل حركة منها كانت تنم عن شغفها بمهنتها ..
حتي دلفت السكرتيرة وقالت : الدكتور ايهم ابو الفضل عايز يقابل حضرتك يا دكتوره !
اومات لها ..واعتذرت من المريض ..وتحركت الي الخارج ..
وصلت إلي ايهم وقالت : خير يا ايهم لقيت وتين ؟!
ضحك بدون ذرة مرح وغمغم بغضب : يفرق معاكي يا حنين؟!
نظرت له بدهشة مصطنعه وقلبها يرتجف بقوه وهتف: ايوه طـبعا ..
نظرت حولها بتوتر وهي تري العياده خاليه من الحالات المرضية..
وغمغمت بصوت مختنق متقطع: هو في ايه يا ايهم ؟!هي وتين قالت!!
قاطعها بنبرة حادة قطعت الهواء وهدر : كل خير يا دكتوره!! بس بلاش لف ودوران أنتي ميفرقش معاكي وتين.. عشان انتي السبب في هروبها !!
نظر الي ذهولها المصطنع وقال : بلاش تمثيل عشان انتي حتي ف التمثيل فاشله .. انتي عارفه اني لقيتها من اكتر من اسبوع !! وفرحنا كان وقتها.. أنا حتي سافرت شهر عسل ولسه راجع النهارده!! عشان اصفي حسابي معاكم واحد واحد !!
تراجعت برعب وهزت رأسها بالنفي ودموعها تنهمر وهمسة: أنا مليش دعوه.. مامتك اللي ..
قبض على ذراعها بعنف وهزها بشده وهدر بفحيح: وتسمعي كلامها ليه؟! اهو هتغرقي لوحدك …
أشار إلي الباب ودلفت رجلان يبدو علي وملامحهم
الإجرام ..تراجعت حنين بزعر غزا كل كيانها وصرخت بفزع تمسك بها الرجلان بعنف وثبتنها أمام ايهم …
الذي أخرج هاتفه وفتح مقطع فيديو لحنين مع أحد مرضاها ف غرفة الكشف ..جحظت عينيها برعب وحاولت التمسك بالهاتف وصاحت بصوت مكتوم : انت بتسجلي ازاي ؟! هات التلفون ده …
ضحك بخبث واردف: كنت مسافر بس سايب عيني في مكتبك!! وسجلت كل اللي حصل الاسبوع اللي فات…
وقدامك حل من اتنين.. لتسيبي البلد ومترجعيش تاني!!
او هنشر الفيديوهات وبكده هيتمسح اسمك من نقابه الاطباء.. عشان اللي زيك مينفعش تكون دكتوره اصلا!!
ده غير المرضي اللي هيرفعوا عليكي قواضي انك بتشهري بيهم ياكتوره !!
بهت وجهه حنين وشحب شحوب يحاكي شحوب الموتي وسقطت علي ركبتيها ..وهزت راسها بالنفي ودموعها تنهمر ع وجنتيها بصمت ..اقترب منها ايهم وغمغم بفحيح : بس قبل كل ده؟! انتي عايرتي وتين بحاجه ملهاش ذنب فيها !! وانا لازم اخليكي تحس بنفس احساسها لما سميتي بدنها بسمك !!
صرخت حنين بجسد منهار مرتجف.. وكان جسدها يذوب من الرعب وصاحت: لالا حرام عليك …أنا معملتش حاجه !!
أشار ايهم إليهم بحسم.. وسحبوها بعنف الي احد الغرف.. وحنين تتلو وتنحب بجنون.. لحظات من اصعب اللحظات المريره والحالكه علي حنين التي لن تنساها مد حياتها .. وتلك الوحوش المفترسة ينهشوا جسدها بلا رحمه وووووووو
يتبع
ساحره القلم سااره احمد