ناار وهدنه(الفصل التاسع)

الفصل التاسع
شوقًا…
وكيف لي أن أُخبرك – لا على عجلٍ ولا بكلماتٍ عابرة – أنني أشتاقك شوقًا لا يزول، لا يخف، لا يتبدّل؟
وكيف أبوح لك بأنك ثابت في قلبي كنبضٍ لا يفتر، متورّط بك حدّ اللاعودة، حدّ الغرق الجميل الذي لا نجاة منه ولا رغبة في النجاة؟
أراك في كل شيء…
في دعائي، في ضعفي، في ساعات انتصاري وخيبتي.
أراك كما لو كنتَ قَدري…
عشقي، وأماني، وتوأم روحي الذي ما عرفت روحي ملامحها إلا حين ضمّتها إليك.
أنت البعيد الذي يلوّح لي كالنجم من فوق، يلمع ثم يختفي، فلا أملك إلا أن أُحدّق…
وأنت القريب، القريب جدًا، الذي سكن الروح، واستقر في عمق العمق، دون أن يقرع الباب.
إن جئتَ، ضحكت الدنيا من حولي وكأنها تُقيم عيدًا…
وإن غبتَ، كسا الحزن عيوني حتى صارت كل الأشياء باهتة، وكل الوجوه بلا ملامح.
انهار راجح أرضا، الدماء تتدفق من جنبه بغزارة، وعيناه تتسعان بدهشة ممزوجة بالألم، فيما الرجل أفلت نفسه وهرب بأقصى ما يملك من سرعة.
تجمد الزمن في الحارة… والصوت الوحيد الذي بقي، كان أنين راجح، وصرخات تقى المذعورة، وهي تصرخ باسمه كأنها تحاول إعادته من براثن الموت: راجح يا نهار اسود الحقونا يا ناس ياهوو
تجمع الناس كالسيل حول جسد راجح الملقى أرضا، تتعالى الصرخات والهمهمات، تتدافع الأقدام، والعيون متسعة بالذهول.
خرج عز وياسر من دكانهما على وقع الجلبة، ركضا نحو الجموع، يشقان الصفوف بلا رحمة.
رأى عز جسد راجح المسجى على الأرض، تغمره الدماء، وركع جواره، يحتضنه بذعر: راجح!! مين اللي عمل فيك كده؟!
أشار له راجح بيده المرتعشة، وعيناه شبه مطفأتين.
اندفع ياسر، نزع قميصه، وضغط بقوة على الجرح وهو يهدر بانفعال:قوم يا عز، لازم نوديه المستشفى… دمه هيتصفى!
هتف عز، محاولًا رفعه:متخافش يا صاحبي… هناخدك على المستشفى، خليك معايا.
خرج عمار وإبراهيم من المنزل مذعوران، وتجمدت الدماء في عروقهما حين رأوا راجح ينزف بلا حول.
تحرك عمار بسرعة، صعد سيارة عز وقادها للأمام، بينما ساعد ياسر في رفع راجح ووضعه في المقعد الخلفي. جلس ياسر جواره، وركب عز بجانب عمار….وانطلقت السيارة كطلقة نار.
وفي الشرفه …
تراجعت تقى بخطوات مهزوزة، عيناها لا تصدقان ما رأته… حتى سقطت على الأرض، تبكي بحرقة، تحتضن نفسها بذراعين مرتعشتين، تلطم وجهها بنحيب، ثم تغلق فمها بكفها، تمنع صرخة تخرج من الأعماق.
في المستشفى
وصل عمار بزمن يكاد لا يصدق، ترجل عز صارخا بغضب: انتو يا بهايم! حد ييجي يساعدنا بسرعة!
فتح عمار الباب الخلفي، هرول ياسر ورفاقه، يحملون راجح المتهاوي. اندفع المسعفون بسرير متحرك، وضعوه عليه، واتجهوا به إلى غرفة العمليات.
وقف الثلاثةأمام باب الطوارئ، محاولين لجم أعصابهم.
قال عز بحنق وهو يركل الأرض: في نص المنطقه؟! ده الوضع فلت خالص.
غمغم ياسر وهو يمسح وجهه المتعب:الأيام اللي جاية… لازم نفتح عينينا كويس.
اقترب عمار منهما وقال: تفتكروا مين اللي عمل كده؟!
رد عز بصوت خافت: أعداءنا كتير يا عمار… مش هنقدر نعرف غير لما راجح يحكي.
تنهد عمار وقال: ربنا يقومه بالسلامة… والباقي سهل.
رد ياسر بحنق متعطش للانتقام: يقوم بس… وعلي الطلاق اللي عمل فيه كده هشقه بالطول.
دخل العتال وعاشور وإبراهيم، يلهثون من الركض.
هتف العتال، قلبه يرتجف: ابني! ايه اللي حصل له؟!
أمسكه عز، وقال له بنبرة متماسكة رغم الغليان: اهدا يا عمي… راجح في العمليات، وربنا ياخد بإيده. ادعيله بس.
ترنح العتال في وقفته، وكاد يسقط، فأسنده عاشور وهتف: امسك نفسك يا عتال… راجح شديد، وربنا كبير.
قال عز وهو يجذبه ليجلس: اقعد يا عمي واستهدي بالله.
جلس العتال بصعوبة، وهمس بصوت متهدج:مين اللي عمل كده في أخوك يا عز؟
جثا عز على ركبته جواره، وقال ياسر بحزم: هنعرفه… واعتبره ميت من دلوقتي.
ربت عز على يد العتال وقال من بين فكيه، نبرته تقطر نذرًا: عليه الحرام يا عمي، هشرب من دمه… بس انت اهدا عشان صحتك.
نظر عاشور حوله بقلق: هو سلطان مكنش في الصاغه؟
هز عز رأسه بالنفي:لا يابا… سلطان مختفي من صباحية ربنا.
قال عاشور بجدية:كلمه يا عز، شوفه فين، وقوله ياخد باله… شكلها جايه علينا ايام سودا.
أخرج عز هاتفه، اتصل بسلطان… لكن الرد كان صفعة باردة:”الهاتف الذي طلبت مغلق أو غير متاح.”
أنزل الهاتف وقال: مقفول يابا.
ضرب عاشور الأرض بعصاه وهتف:جيب العواقب سليمة يا رب!
اقترب إبراهيم من عمار، وقال بهمس قلق: حتى ضي… مش في شقتها.
ارتجف قلب عمار، وقال بصوت متحشرج: أكيد مع سلطان.
قال إبراهيم:ولازم نتأكد… افرض مش معاه!
أخرج عمار هاتفه، اتصل بضي… مغلق.
أطبق فمه وقال بجدية:ربنا يستر… اطلع كلم علي، خليه يطلع يسأل عليها… يمكن عند حياة بيذاكروا سوا.
أومأ إبراهيم وخرج مسرعًا.
مر الوقت… ثقيلا كالرصاص.
كل العيون معلقه بباب غرفة العمليات، والأعصاب تذوب على نيران الانتظار.
وأخيرًا… خرج الطبيب، فأحاطه الجميع، قلوبهم تخفق برجاء.
قال الطبيب: الحمد لله يا جماعة، الإصابة سطحية، مفيش عضو حيوي اتأذى، عملنا اللازم… وهننقله أوضة عادية.
تنفس الجميع الصعداء، وتمتمت الشفاه بحمد الله، وامتلأت العيون بدموع الفرج.
وهتف العتال : ينفع اشوفه يا بيه
اوما الطبيب وغمغم: مفيش مانع
تحرك الطبيب وربت عاشور علي منكب العتال وقال : الحمد لله قدر ولطف يا اخويا
………………………………………
ف البيت الريفي
خرج سلطان من المرحاض وهو يفرك شعره بعنف، يتصبب أنفاسا لاهثة وهو يغمغم بغيظ:يخرب بيت كده… الماية مش جايبة معايا. أعمل إيه في النار اللي مسكت في جتتي دي؟
رفع عينيه نحو ضي، المستلقية تحت الغطاء كأنها تختبئ من العالم، لم يظهر منها شيء سوى أطراف الغطاء المشدود حول جسدها… بلع لعابه بصعوبة وهمس:
أنا هطلع ميتين أمك… بس اصبري عليا يا آخر صبري.
اقترب بخطوات بطيئة وجلس إلى جوارها على الأريكة، صوته أجش حاملاً مزيجًا من الغضب والكبت: ضي… يا بت، انتي هتفضلي مستخبية كده كتير؟
سحبت الغطاء قليلًا، وأظهرت عينيها فقط، صوتها خرج مبحوحًا كأن الكلمات ثقيلة عليها: أهو أوريك وشي إزاي؟
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مشوبة بعبث، دنا منها أكثر وهمس: خلاص… بلاش وشك، وريني جسمك.
شهقت، ورفعت الغطاء مرة أخرى فوق رأسها، تغلفها خجلاً وتوترًا: سافل وهمجي!
ضحك بخفة، نبرة صوته لم تخفي لهفته، ثم نهض واتجه لهاتفه وطلب الطعام. عاد إليها وهو يهتف بود:ضي، طيب قومي خدي دش عشان نتعشى، أكيد جعانة.
ردت من تحت الغطاء بخجل طفولي: اطلع بره عشان أقوم.
ضحك مجددًا، ضحكه يملؤه العبث وغمغم : ضي، قومي وبلاش لعب عيال… أنا أصلاً شوفت جسمك كله.
صرخت بغيظ ممزوج بالخجل: يا سافل! اطلع بره!!
لكنه لم يمتثل. اقترب منها، وسحب الغطاء بعنف، فتصرخ بفزع، وحاولت الإمساك به، لكنه ألقاه بعيدًا. اندفعت نحوه كالملهوفة، تحتضنه بكل ما فيها من ارتباك، كأن دفء حضنه أكثر رحمة من عريها أمامه.
ضمها إلى صدره، تمردت يده فوق ظهرها المرتجف، ثم حملها بين ذراعيه وسار بها إلى المرحاض، وهو يهمس بصوت أجش:ناخد دش سوا… يمكن الكسوف ده يروح… وتحصل المعجزة.
تمسكت به، تخبئ وجهها في عنقه. أنزلها برفق داخل كابينة الاستحمام، وفتح المياه التي اندفعت بقوة من كل اتجاه. تمسكت به مجددًا، وهمسة برجاء: خلاص… أنا هاخد شور لوحدي.”
اقترب منها، فتراجعت حتى التصقت بالجدار، نظراته تطوقها، وصوته يضغط على قلبها: ليه أنا أهبل؟ عشان أضيع الفرصة دي؟
سحبها من خصرها، وألصقها به، رفع وجهها بكفه، وهمس أمام شفتيها بنبرة مشتعلة: أنا بغلي يا ضي… تعبان أوي.”
اهتزت شفتاها، بالكاد استطاعت النطق: ليه؟
ابتسم ابتسامة صغيرة تنضح بالألم والعبث:عشان مكملناش للآخر… عايزك تجمدي قلبك وتتحملي… للآخر.
بلعت لعابها، وعيونها معلقة بعينيه وهمسة : يعني إيه… للآخر؟ أنا مش فاهمة.
اقترب منها أكثر، وهمس قرب أذنها:دموعك عملت فيا إيه يا ضي؟ ولا صوت شهقتك وهروبك خلاني أتجنن؟
دارت بجسدها، أعطته ظهرها، ودموعها تنزلق ببطء على وجنتيها:سلطان… أنا مش قادرة… بتكسفني أوي.
ضمها إلى صدره، رفعها بذراعيه، والتهم عنقها بعنف، تمردت يده على خصرها وهمس:إنتي متعرفيش إنك وانتي بتعيطي بتخلي دمي يولع؟ الصوت اللي بيطلع منك وانتي منهارة… ده المفروض يطلع وانتي تحتي… مش من الكسوف، من الشوق… تعيط وانتي بتهمسي اسمي… وانتي بتترجيني أبطل… أبطل همس في ودنك.
أغمضت عينيها، رأسها يرتجف، وهمسة من بين دموعها:
إنت بتعمل فيا كده ليه؟
أنزلها، ولفها بذراعيه مجددًا، رفعها حتى التفت ساقاها حول خصره، وهمس عند أذنها:عشان تبقي لي… أبوس فيكي وأنا ماسك وشك، وأقولك بين كل نفس والتاني: بحبك… لحد ما تتهزي كلك، وتعيطي من كتر ضعفك قدامي… وتحسي إنك مش قادره غير إنك تسلمي لسلطان… وبس.
شهقت بصوت خافت، بالكاد تلتقط أنفاسها: لالا… إنت هتجنني.
مرر يده على نهديها، وهمس بحرارة لاهبة:أنا بعشقك لدرجة هخليكي تكرهي فيها نفسك… وتدعي عليا، وتشتاقيلي، وتخافي مني… بس تفضلي ليا… بس ليا.
دفن وجهه في عنقها، يلتهمه بشغف، وهمس: عارفة أكتر حاجة مجننانى؟
حاولت دفعه بوهن ، وبأنفاس متقطعة همسة: إيه؟”
مرر كفه على جسدها المرتعش، وهمس بجنون مكتوم:
إنك لحد دلوقتي مش بتعرفي تقوليلي لأ… وده بيخلي مخي يشوفك وانتي تحتي… بتترجيني أبطل… بس أنا عمري ما هبطل.
ضربته بقبضتها الصغيرة على منكبه ودموعها تتساقط:
إنت مرعب… حتى في كلامك… معدتي بتوجعني.
أغمض عينيه بضيق، زفر بقوة وقال ساخطًا:
خلاص… اهدي. هسيبك تكملي دش… وأنا هطلع، عشان أكتر من كده مش هقدر أتحمل
دنا من أذنها مجددًا، وهمس بعبث ساخر: وهفتحك النهاردة.
شهقت، واتسعت عيناها برعب، تحاول كتم صرخة خرجت رغما عنها. ضحك بصوت مرتفع ، وخرج من الكابينة، ثم من المرحاض، تاركًا إياها بين الذهول والخجل والارتباك.
مر وقت طويل، وضي لا تزال داخل الحمام. فتح الباب بهدوء، فوجدها أمامه، ترتدي برنس الحمام، وتتهيأ للخروج. قبض على يدها وسحبها إليه:الأكل برد… كل ده وبتاخدي دش؟”
خفضت عينيها، وهمسة: اصلي بطول في الشور.
قادها إلى أقرب أريكة، جلست، واقترب منها، يفتح الطعام ويقول بجدية: يلا… كلي.
أومأت برأسها وبدأت تتناول الطعام ببطء. شاركها الأكل، يطعمها بيده كأنها طفلة مدللة، حتى أنهيا طعامهما. نهض ليضعه في البراد، ثم عاد فوجدها قد تمددت على الأريكة، منكمشة على نفسها.
انضم إليها، رفع رأسها برفق، وسحبها إليه، ضمها إلى صدره، ورفع الغطاء عليهما، وهمس:تصبحي على خير… يا ضي.”
دفنت وجهها في عنقه، وهمسة بنعاس شديد: وإنت من أهله.
ثم أغمضت عينيها، وسقطت في نوم عميق، كأنما لم تعرف الطمأنينة إلا بين ذراعيه.
…………..
ف المستشفى
نقل راجح إلى غرفة عادية بعدما استقرت حالته بعض الشيء، وتجمع الجميع حوله في صمت ثقيل، يترقبون أن يفتح عينيه. كان الصمت مشوبًا بالقلق، ممزوجًا برجاء خفي في أن تكون الأزمة قد عبرت بسلام.
مر وقت طويل قبل أن يرمش راجح بعينيه، يحاول جاهدًا مقاومة الثقل الجاثم على جفنيه. فتح عينيه قليلاً، لكن النور اصطدم بهما بعنف، فأغلقهما على الفور بتأوه واهن.
اقترب العتال من السرير، وعيناه غارقتان بالدموع، وصوته ينكسر كطفل فقد طريقه:فتح عنيك يا ابني، اوعى تحرق قلبي عليك… انت عارف إني مليش غيرك في الدنيا دي.
فتح راجح عينيه مجددًا، وهز رأسه ببطء، وتمتم بصوت بالكاد يسمع:ماتخافش يابا… عمر الشقي باقي.
أحاطه الجميع بدفء مشوب بالغضب، كأنهم ينتظرون منه كلمة واحدة لتشتعل الحرب.
قال عز وهو يقبض على طرف السرير بحنق:حمد الله علي السلامة يا صاحبي… مين اللي عمل فيك كده؟ قولي بس، وأنا أجيبه متكتف تحت رجليك.
وربت ياسر على كف راجح قائلاً بحرارة:قول يا راجح، أي صفة في خلقته… لون، علامة، أي حاجة، وإحنا نجيبه… وميطلعش من هنا حي !!
هز راجح رأسه ببطء، وقال بصوت منهك:هو… أسمر وطويل… وعنده جرح قديم في حاجبه الشمال.
اقترب عمار وحدّق في عينيه باستفهام:يعني إنت مشوفتوش قبل كده؟ أول مرة تشوفه؟
أومأ راجح برأسه نافياً، وتمتم بتعب شديد:أيوه… أول مرة أشوفه في المنطقة !!
ضرب عاشور الأرض بعكازه بقوة جعلت الجميع يصمت، وهتف بصوته الرخيم الجهوري:كفاية يا ولاد… لما يقوم بالسلامة ابقوا اسألوه زي ما انتو عايزين.
أومأ الجميع في هدوء، واقترب عاشور من راجح، وربت على كفه بحنو لا يخلو من قوة رجل عجوز صقلته الأيام، وقال بنبرة حازمة:حمد الله على سلامتك يا ابني… ماتشيلش هم… سيبها على الله.
رد راجح بكلمة واحدة خافتة، لكنها مشحونة بكل ما فيه:
على الله.”
ظلوا يتحدثون لبعضهم بأحاديث جانبية، يحاولون كسر ثقل اللحظة. بعد قليل، نهض ياسر وتمطى قائلاً:أنا هروح ألبس قميص بدل ما أنا قاعد بفنلة كده…
نظر عز وهز رأسه:أيوه، كمان المحلات كلها مفتوحة… ومفيش غير الصبيان اللي شغالين!
اوما ياسر بخفة وبدأ يتحرك نحو الباب، فناداه إبراهيم: استنى يا ياسر… جاي معاك.”
اقترب من راجح وربت على كفه برفق:حمد الله على السلامة يا حبيبي… هجيلك تاني.”
تمتم راجح وهو يبتلع ألمه: تسلم يا اسطا.”
قبل أن يخرج، مر إبراهيم بجانب عمار، ووضع يده على منكبه، وقال بصوت خفيض:هشوف ضي… واطمنك.”
أومأ عمار برأسه، ولم يتكلم. أما إبراهيم وياسر، فانصرفا معًا من الغرفة، يخطوان في ممر المستشفى الذي يضج بالصمت والقلق.
……………………………………..
ف شقه ياسر الهواري
كان الصمت يملأ الشقة حين دلف ياسر، يتقدمه ظله المرتبك في ضوء خافت بالكاد يبدد عتمة المكان. وحدها جنات كانت تجلس في أحد الأركان، تغلفها العتمة، وعيناها اللامعتان بالدموع تشي بأن الليل لم يرحمها.
غمغمت بصوت خفيض مخنوق:لسه بدري يا بيه… ده يدوب الفجر أذن من شوية.”
أدار ياسر رأسه نحوها، والحنق يتفجر من عينيه. بدا منهك، ملوثًا بالدم، ومحملا بما يفوق طاقته. قال بصوت أجش:جنات… اصطبحي. إنتي متعرفيش إيه اللي حصل؟!
نهضت من مكانها واقتربت، وفي صوتها غضب متكوم ككومة رماد تحتها نار:والله… نفسي أفهم إيه اللي حصل بينا… يوصلنا لكده؟
مد ياسر يده وقبض على يدها بقوة، وصاح بعصبية انفجرت بعد كتمان طويل:نفسي مرة واحدة تفكري فيا زي ما بتفكري في نفسك! مش بيهمك غير نفسك… إنتي عايزة إيه، وإنتي ناقصك إيه… وخلاص! الدنيا تتحرق؟ عادي! مش فارقة معاكي!
انتزعت جنات يدها من قبضته بعنف، ونحيبها خرج مكتومًا لكنه جارح:أنا؟! إنت بتتكلم عليا ولا على نفسك؟! أنا ليا خمس ساعات مستنياك! رنيت عليك لحد ما تليفونك اتقفل… ومفيش، ولا حتى رنّة واحدة تطمني! وكأن قلقي عليك ملوش أي تمن عندك… بتفرح تشوفني مشغولة عليك؟! بتستمتع بقلقي؟!”
أدار وجهه عنها وهز رأسه كمن يهرب من الحقيقة، ثم صرخ بألم حارق:لا… ده انتي بجد هابه منك على الآخر! بصيلي يا جنات! أنا نازل كده… مش شايفة الدم اللي على هدومي؟! وبتزعلي لما أقولك إنك مش بتشوفي غير نفسك؟!
تراجعت خطوة، وارتجفت شفتيها وهي تهمس بدهشة وخوف:إيه ده؟! ليه الدم ده؟! اتخانقت مع حد؟!”
ابتسم ياسر ابتسامة موجوعة ممزوجة بسخرية مرة وقال:واحد ابن حرام… ضرب راجح بمطوّة في جنبه! خدناه جري على المستشفى… وقعدت معاه لحد ما اطمنت عليه… يعني مكنتش طالع أتفسح!
شهقت جنات ووضعت يدها على صدرها، لكنها لم تستسلم، قالت بصوت يرتجف من القهر: طب… ويحصل إيه لو مرّة واحدة بس… رديت عليا؟! طمنتني؟! حسستني إني مهمة؟! إن قلقي ليه معنى؟!”
لوّح ياسر بيده بيأس وتحرك نحو المرحاض وهو يهتف بضيق بالغ:شوفي أنا بقولك إيه! وانتي برضو كل همك إنك تطمني! وأنا كان في دماغي أرد؟! يا ولية خلي عندك دم شوية!
تجمدت جنات مكانها، وعيناها لا تصدقان قسوته. أغلق ياسر باب المرحاض خلفه، لكن صوته خرج منه مجددًا غاضبًا:هاتيلي غيار… وخلي يومك يعدي! عشان أنا العفاريت الزرق بيتنططوا قدامي دلوقتي!
لم تجد جنات إلا أن تنفذ، وهي تجر قدميها بقهر. دخلت إلى الغرفة بهدوء يشي بانكسار عميق، تبحث بين الملابس بصمت، ودموعها تنهمر دون توقف. لم يكن بكاؤها صخبًا، بل كان نازفًا… كما لو أن شيئًا انكسر داخلها دون صوت.
……………………………………..
صباحا في المستشفى
استعاد راجح وعيه الكامل، يتمدد على السرير بقليل من الإعياء وكثير من روح الدعابة التي لا تفارقه. ساعده عز على الجلوس، ثم ربت على منكبه وهمس مازحًا:قوم يا ض، إنت هتعمل فيها جريح؟ ده خربوش ياروح امك!!
ابتسم راجح بسخرية مريرة، وقال بصوت خافت:
خدني على خوانة ابن الحرام… بس معلش، ملحوقة.
ضحك عز، وعيناه تلمعان بمكر الأخوة وقال:وأنت كنت مشغول في إيه يا عـ**؟!
قاطعه راجح وتنحنح وهز رأسه نافيًا، وقال بصوت منخفض: أنا كنت مروح… لما لقيته واقف على الناصية… وشديت معاه.
رفع عز حاجبه بشك، ثم تمتم بنبرة لا تخلو من الخبث:
راجح… إيه اللي غير مكان بيتكم وخلاه جنب بيت عمي خليفة؟
لكزه راجح في جنبه وهمس محذرًا:اسكت بقا… إنت هتفضحنا؟ العتال بيبص علينا… وأنا مش ناقص يشيط عليا دلوقتي… خليه كانن !!
قهقه عز بصوت مكتوم، وأشار إلى فمه ملتزما الصمت، لكن عيونه كانت تقول الكثير.
لحظات، ودق الباب بخفة، ثم دلفت عايدة وبطة وحياة، يحملن معهن سلالة مملوءة بالطعام والمشروبات والفاكهة، والقلق لا يزال عالقا في نظراتهن رغم ابتساماتهن المتعبة.
اقتربت عايدة من راجح، ووضعت يدها على رأسه، وهتفت بحرارة أم يذوب قلبها خوفًا:كف الله الشر يا ابني… الهي ينشك في إيده اللي ضربك!
أمسك راجح بكفها وقبله، هامسًا بإمتنان: تسلمي يا أما.
أقبلت بطة وقبلته على جبينه، ودموعها تلمع على أهدابها، وقالت بشجن:خلعت قلبي عليك… يا بن الغالية.
ربت راجح على كفها بلطف وهمس:سلامة قلبك يا أما… أنا كويس… عمر الشقي باقي.
وضعت يدها على صدره، تمسح بحنان أمومي، وقالت بخشوع:اسمالله عليك يا ضنايا… يطول في عمرك يا وصية الغالية.
هتف العتال، الذي كان يراقب المشهد بمودة خالصة:
ربنا يباركلك يا أم عز… ويخليكي لينا يا أم سلطان.
ابتسمت عايدة وقالت بود ظاهر:حمد الله على سلامة راجح يا حج… ربنا ما يوريك فيه شر أبدًا.
هز العتال رأسه وهمس بخشوع:يارب يا أم عز… يارب.
تقدمت حياة، وضعت حقيبتها جانبًا، ونظرت نحو راجح بنظرات فيها شيء من الحزن، وقالت:سلمتك يا راجح… قوم وشد حيلك.
نظر لها راجح بتمعن، عينيه تستقران فيها كأن بهما ما لا يقال، ثم هز رأسه وتمتم بخشوع: حاضر… يا حياة بيت الهواري.
زمت شفتيها، وحاولت أن تخفي ارتباكها، وقالت:ربنا يخليك يا أخويا.
في تلك الأثناء، بدأت بطة تفرغ الطعام وتضعه أمام راجح، وهتفت بإصرار حنون: يلا يا واد… لازم تاكل وترم عضمك عشان تقوم وتصنب طولك… يا ضنايا.
قربت قطعة دجاج من فمه، وبدأ راجح بتناول الطعام على مضض، فهتف عز بمرح: بابختك يا سطى! هتاخد الدلع كله لوحدك الأيام الجاية!
ضحك راجح رغم ألمه، وقال:حرام عليك… حتى وأنا دمي سايح بتنق عليا؟! متخليك في حالك يا هواري.
ضحكت عايدة وربتت على صدر عز وقالت: قوم يا ضنايا… إنت هنا من امبارح… قوم روح ريح جتّتك، وشك تعبان.
أومأ عز ونهض ببطء، وكأن جسده ينوء بثقل غير ظاهر، ثم تمتم:هروح أبص على الدنيا ماشية إزاي… عشان سلطان مختفي من امبارح… وهريح ساعتين وارجع تاني.”
أومأ الجميع بالموافقة، وهتفت بطة بحنو أمّ تخشى على ابنها:خد بالك من نفسك يا واد… وامشي على مهلك.
أشار لها بيده وقال مبتسمًا : أمرك يا بطتي.
في تلك اللحظة، حاول راجح أن يمنع يد عايدة من تقديم المزيد من الطعام، وقال بابتسامة متعبة:
كفاية يا أما… أنا شبعت أوي.
رفعت حاجبها بتذمر لطيف وهتفت:جرا إيه يا واد… إنت ماكلتش غير نص الفرخة!
ضحك راجح وقال:ياما… ده أنا وسليم مش باكل نص فرخة … لما أكلها وأنا تعبان؟!
قهقهت عايدة بمرح وقالت: طيب هديك استراحة… ونكمل!
ضحك الجميع، وغمر الجو دفء الألفة، وغمغم العتال بمودة صافية:.ربنا يخليكي لينا يا ست الكل.”
ردت عليه عايدة وهي تلم الطعام بابتسامة هادئة:
إن شاء الله يخليك يا حج…
……………………………….
في البيت الريفي
حيث لا يسمع سوى همسات الطبيعة، استيقظت ضي على دفء الشمس المتسلل من بين الستائر. فركت عينيها ببطء، وهمسة باسم غاب عنها لحظات: سلطان…
تمطت بخمول، وجسدها يئن بإرهاق غريب. نهضت ونظرت حولها بتثاقل، حتى وقعت عيناها على ورقة صغيرة بجوار الإفطار، كتبت بخط سلطان الرجولي الواضح: أنا في الورشة. افطري من غير محن بنات.
هزت رأسها بيأس، وهمسة: مفيش فايدة…
توجهت إلى المرحاض ،أنهت روتينها الصباحي، ثم خرجت تلف جسدها بمنشفة صغيرة. اقتربت من الخزانة، فتحتها وسحبت قميصا أسود من قمصان سلطان، ارتدته سريعًا ثم جلست لتتناول القليل من الإفطار، تستعد ليومٍ طويل من المذاكرة.
مر الوقت، حتى انفتح الباب، ودخل سلطان بصوته الأليف القوي: صباح الورد يا ضيو.
ابتسمت بلطف، وردت بهدوء: ضيو؟
اقترب منها، عينيه تلمعان بإعجاب، وقال: أيوه… ضيو السلطان
رمق مائدة الطعام، وقطب حاجبيه بشبه عتاب : انتي فطرتي قبل ما تبدي مذاكره ؟!
أشارت له بيدها وقالت : آه والله…
لم تكمل كلمتها، عندنا جذبها من ياقة القميص، وطبع قبلة عميقة على شفتيها، قبل أن يتراجع قليلًا وينظر إليها كمن وجد كنزه الضائع، وهمس بشغف: هو شفايفك دول كل مرة ببوسهم… بيحلو أكتر؟ ليه كده؟
همسة بوهن، محاولة دفعه : مش عارفة…
مرر إصبعه على شفتيها، وكأنه يقرأ سطورا مقدسة، وقال بأنفاس ثقيلة:أمال لو… مصيتهم، هيجرالهم إيه؟
أغمضت عينيها بتوهان، وهمسة: ها… يعني إزاي؟
لم يمهلها، طوق خصرها بذراعه، وسحبها إليه، قبلها بشراسة تملك، قبلة شهقة لا تمهل ولا تفسر، حتى شعرت أن أنفاسها تنتزع منها قطعة قطعة. امتص شفتيها بعنف لذيذ وكأنه يمتص منها اكسير الحياه …
يداه لم تترك لها منفذا للهرب، لفها حول عنقها وجذبها نحوه حتي لا تستطيع فصل شفتيه عنه …
وقلبه يهمس في صدره بألف نبض، وحين حرر شفتيها أخيرًا، قال بصوت مخنوق مشحون بالرغبة: تعالي نكمل للآخر… أنا معدش قادر امسك نفسي أكتر من كده؟؟
حاولت دفعه، وارتجف جسدها، وقالت بصوت ناعم مخنوق: سلطان… أنا دوخت.
ضمها بقوة، يده يحاول أن يلصق جسدها بصدره، وهمس في أذنها بعبث مجنون:يا بت… كل ده من بوسة؟! أمال لو… بقيتي تحتي، هيحصلك إيه؟
همست بصوت مرتجف: يا سلطان… مش قادرة.
حاولت دفعه وهي تشعر بدور يجتاح راسها حتي كادت تسقط تمسك بها بقوه وحاوط خصرها وجذبها لصدره وهمس : امسكي نفسك يا بت مالك !!
حاولت دفعه بوهن ونظرت له بعيون ناعسه وهمسة : سلطان أنا دوخت !!
ابتسم بعبث وغمغم: يخربيت ام عنيكي الدباحه دي وصوتك بيوقف الدنيا كلها عندي..
هزت راسها وهمسة: يعني ايه؟!
اقترب من أذنها وكفه يضغط علي ظهرها حتي أطبق بصدره علي نهديها وهمس في أذنها بعبث: بيوقف المصلحه!!
قطبت حاجبيها بدهشة وردت: مصلحه ؟؟
قبض على يدها ووضعها علي رجولته وهمس في أذنها بصوت عابث : المصلحه …
صرخت برعب عندما شعرت برجولته المتصلب والمشدود بشكل مرعب وحجمه المفزع وصاحت بدموع: اتلم ايه ده يا سافل ؟!
ضغط ع خصرها وهمس : بس تدوقيه وانتي هتدمنيه ..
لكزته بقوه وصاحت: اتلم!!
ضحك بمرح وغمغم: ادخله يجيب دم !!
جحظت عيناها وفتحت فمها بذهول مخلوط بالرعب وغمغمت بدموع: يا نهار اسود اوعي سيبني!!
هو ايه ده اللي يجيب دم انت هتقتلني ؟!
ضحك بمرح وقال: يابت هقتلك بطريقه تجنن.. هوجعك وجع لذيذ اوي !!
لكزته وغمغمت بدموع: سلطان ابوس ايدك كفايه!!
وسيبني عشان عايزه أذاكر الامتحان بكره !
قبلها مرة أخيرة، قبلة خاطفة، وقال: هروح أخلص شغل، وراجعلك تاني.
غادر الغرفة، بينما هي تراجعت لتجلس على الأريكة، تشهق بأنفاس متقطعة، وعيناها تتبعان سطور الكتاب الذي لم تعد ترى فيه إلا سطورًا متراقصة، كأن الأحرف نفسها قد ضاعت في زوبعة سلطان.
مر وقت، واستطاعت أخيرًا أن تواصل المذاكرة، أنهت نصف المادة، ثم شعرت بالجوع، تناولت لقيمات قليلة، وبدأت تتجول في البيت بهدوء. حتى وصلت إلى باب جانبي في آخر البيت.
فتحته بحذر… لتتفاجأ.
أمامها حديقه كأنها عالم مسحور دلفت
الي قلب الحديقة التي غرسها سلطان بيده ، منظم بعناية تخطف الأنفاس،
حيث تراقصت أزهار نادرة على نسمات المساء، وتسلقت أشجار عتيقة جدرانا حجرية بديعة الصنع،أشجار غريبة لم تر مثلها من قبل،
تقدمت تتأمل، حتى اهتز قلبها على صوته الرخيم من خلفها : وصلتي للركن الخاص بصوال…
وقف سلطان بين الخضرة، كأن الأرض قد أفرزته من قلبها رجلًا من صخر ونار.
كان الجو ساكنا إلا من زقزقة الطيور، وخرير نافورة حجرية صغيرة تحت شجرة رمان عتيقة. وعلى ساعده الأيمن ارتكز جلد الصقارة الغليظ، كأنه كان ينتظر عودة صديقه الطائر من السماء.
وقفت ضي على بعد خطوات، ترقبه بصمت، ترتبك من هيبته الطاغيه ، وتستشعر دفئا غامضا يسكن عينيه حين يلتفت نحوها. رفعت راسها تنظر إلى الأفق حين صفر سلطان بصوت خافت له نغمة مألوفة.
فجأة، شق الصقر عنان السماء.
هبط صوال كقذيفة نازلة من فردوس غاضب، جناحاه يخفقان كالرعد، ومخالبه تلمع في ضوء الشمس الخافت. دار في حلقة ضيقة فوق رأسيهما، ثم انقض بخفة متمرس على ساعد سلطان.
ضحك سلطان ضحكته العميقة وقال:وحشتني يا وحش الجو… رجعت يا صوال.
تراجعت ضي بخطوة، وعيناها تتعلقان بالصقر كأنها تري أمامها كائن أسطوري . حدقت فيه برهبة، ووشوشة بصوت خافت : ده… ده كبير أوي… ومخيف.
أدار سلطان رأسه نحوها، ابتسم بخفة، ومد يده نحوها قائلاً بصوت رخيم: تعالي، مش هيأذيكي… ده فاهمني وفاهمك.
ترددت، ثم اقتربت بتوجس طفولي. حين وقفت أمامه، أمسك بكتفها بلطف، وهمس:ثبتي كتفك… كده.
رفع ساعده بخفة، وصفر صفرة قصيرة، فأطلق صوال جناحيه بخفة، وانتقل إلى كتفها برشاقة مذهلة.
شهقت ضي، وتجمدت في مكانها، لكن سلطان اقترب منها أكثر، وضع كفه على يدها المرتجفة، وقال بابتسامة دافئة : شايفه؟ ده مابيوقفش على حد… انتي أول واحدة بعدي.
همست بدهشة: بيتهيألي إني بتهز.
رد بصوت خافت، وعيناه تتأملان وجهها: ولو اتهز العالم كله، طول ما أنا واقف وراكي، ماتخافيش من جناح، ولا من مخلب.
نظر إلى صقره وقال: صوال بيعرف اللي ليا… وعارف مين اللي بقت ليا.
ظل صوال منتصب على كتفها، كأنه حارس من نارٍ وجليد، يرمق سلطان بعين واحدة، كأنه يترقب ما هو آت..
أما سلطان، فقد ظل يحدق في وجهها؛ في ذاك الارتباك الطفولي الذي شابه لمعة عرق، ورجفة رموش، واحمرار وجنتين.
رفع يده بهدوء، ولمس بأطراف أصابعه خصلة انفلتت من شعرها، تأملها بشغف يشبه الهوس ثم همس بصوت أجش، وكأن صدره يضيق بكتمانه: كل مرة أقرب منك ، بحس إني علي باب الجنه … بس لما تبصي لي كده… بفتكر أن ربنا خلقك من ضلعي، مش من نار.
اقترب أكثر، حتى كادت أنفاسه تحرق الهواء بينهما. كانت ضي ترتجف، لا تعلم إن كان من الخوف، أم من صوت صوال الذي رفرف بجناحه، أو من نظرة سلطان التي تسللت تحت جلدها.
رفع يدها ببطء، وقبلها من ظاهر الكف، ثم من باطنه، ثم همس: إيديكي دي مش لي حاجه غير لشفايفي تبوسهم …بحس انها بتخبط على أبواب الصبر ف قلبي كل مرة تشاورلي بيها.
ثم التفت نحو الصقر وقال بهدوء آمر: روح.
وكأن صوال فهم لغته، طار من على كتفها واختفى في السماء، تاركًا خلفه الصمت والارتعاش.
في لحظة خاطفة، كانت ضي بين ذراعيه.
شدها إليه كمن يلملم ملكا ضائعًا، وهمس عند عنقها:
ريحة رقبتك دي… ريحة الجمال ،ريحه حياه بعد موت … مش هتقدري تتخيلي قد إيه نفسي أدفن فيها روحي.
قبل موضعاً صغيراً أسفل أذنها، قبلة لا تجرح… لكن تشعل. ارتعشت بين يديه، فشدها أكثر، وهمس:
خافي مني براحتك… بس ما تبعديش … عشان أنا صبري خلص … واللي زيه لما صبره يخلص بيستحل الممنوع.
ثم رفع وجهها إليه، نظراتها كانت مضطربة، مرتجفة، وعيناها تسبحان بين الخوف والرغبة، بينما هو كان كالعاصفة… هادئ في صوته، مشتعل في عينيه.
همس بقرب فمها: قوليلي أبعد… وأنا أبعد.
سكتت… وذاك السكوت كأنه فتوى العاشقين.
صمتها كان بمثابة إذن غير منطوق… وسلطان لم يكن رجلاً يضيع فرص الإنصات لما تسكته الشفاه وتصرخ به العيون.
لم يمنحها وقتا لتلتقط حتى أنفاسها، التهم المسافة بينهما كما يلتهم الجائع رغيفه الأخير في مجاعة … قبض على وجهها بكفه، بإحكام فيه من الرجولة ما يطمئن، وفيه من التملك ما يخيف.
وهمس عند شفتها العليا، بشفتيه قبل صوته:
انتي فاهمة أنا إزاي ساكت طول الوقت ده؟ فاهمة ازاي ماسك نفسي ؟!
ثم افترسها.
قبلة لا تحتمل المجاز، لا تعرف اللين ولا تمهل… قبلة طمست المسافة بين الخوف والرغبة، بين الصد والضعف، بين أنثى تحاول أن تظل واقفة، ورجل اعتاد أن يأخذ ما يشتهي بكامل الهيبة والحنان والجنون.
أطبق على شفتيها بشراسة ناعمة، أصابعه تمتد خلف عنقها، تسحبها إليه كأنه يغرزها في جسده لا في حضنه فقط….
أطلقت ضي أنين مكبوت، صوت لا يسمع، بل يشعر به … تشبثت بقميصه، كأنها تغرق، كأنها توشك أن تفقد نفسها، كأن روحها انفصلت للحظات.
هو لم يكن يقبلها… بل كان يفرغ سنين من الكبت، من الجنون، من الانتظار، من الحب الغاضب العارم، من الرجولة المحرومة من اللمس… وكل ذلك تسرب إليها في قبلة واحدة، ما بين النار والحضن.
بدأت ترتخي بين يديه، كأنها سكرى بلا خمرة… تقاوم الانهيار ولكن بلا طاقة، تهمس اسمه مرة كأنها تستجديه، ومرة كأنها تتوسله أن يتوقف… ومرة، كأنها تطلب المزيد دون أن تنطق.
وحين انفصل عنها أخيرًا، كانت جفونها نصف مغمضة، ووجنتاها ورديتان كأن دمه انسكب فيهما، وركبتاها لا تحملانها.
نظر إليها، وقلبه يدق كطبول الحرب… همس ببطء:
لو أنا نار… انتي قلتيلي بعنيكي إنك عايزه تتحرقي.
فجأة، ترنح جسدها نحوه… كأنها فقدت وعيها، أو الوعي فقدها. أسرع ليحتضنها قبل أن تهوي، رفعها بين ذراعيه كأنها قطعة من نبضه، وهمس وهو يحملها إلى الداخل:
أول مرة تضعفيلي كده… وأول مرة أخاف ألمسك أكتر.
مددها برفق على فراشها، وقبل جبهتها… ثم ابتعد ببطء، وهو ينظر إليها كما لو كان يحاول إطفاء نار اندلعت في عروقه ولن تهدأ… وهمس : هخلص اخر حاجه وارجعلك عشان نروح
اومات برأسها دون كلام وكأن صوتها خانها وانحشر بداخلها …
…………………………………..
داخل أحد المخازن التابعة لحنفي الرشاش
الإضاءة خافتة، والهواء مشبع برائحة البارود والرطوبة.
صاح حنفي الرشاش بجنون، صوته يزلزل جدران المخزن:يا بني آدم برأس تور! أنا قلتلك تضرب حد؟! أنا مش قلتلك تطقس من بعيد لبعيد؟!
كان الرجل الواقف أمامه يرتجف كأن صاعقة سقطت على رأسه. غمغم بنحيب، وصوته بالكاد يخرج من حلقه:
عليا النعمة… كنت واقف على جنب… مش عارف راجح العتال لمحني إزاي… ولما حاول ياخدني للجنرال خوفت… ومحسّتش بنفسي غير وأنا بغزه عشان أهرب!
ضرب حنفي كف على الآخر في ذهول، قبل أن يهدر بصوت يشبه الرعد:عشان بهيم…! وأقولك على حاجة؟ أنا اللي استاهل! سلطان الهواري يجي يطربقها على دماغ الكل عشان مشغل معايا بهايم!
اقترب في غضب، قبض على ياقة قميص الرجل، ونفث كلماته في وجهه بفحيح كالحية: تخفي في أي داهية تشيلك… مش عايز الدبان الخبيث يعرفلك طريق جرة يا ابن الحرام… ترجمة ياض ؟!
أومأ الرجل برأسه بهستيرية، وملامحه يكسوها رعب مرعب:ترجمه يا معلم! فهمت هختفي… بس افرض المعلم سلطان جابني… أعمل إيه؟ أنا من رجالتك برضو يا معلم!
رفع حنفي يده مهددًا، وصاح بوحشية: ساعتها… اتشاهد يا روح أمك! سلطان الهواري مش هيسمي عليك! إنت ضربت راجح… أعز أصحابه ودراعه اليمين! ادعيله ميكونش فطس فيها!
تراجع الرجل خطوة للخلف، وقد تجسدت على ملامحه كل معاني الذعر، ثم صرخ:أنا همشي… ومش هرجع تاني! ولو على جتتي!
ركض كأن الشياطين تطارده، يغالب قدميه المرتعشتين، والخوف يكاد يفتك بعقله، تاركًا خلفه عاصفة من التوتر.
التفت حنفي، وقد بدأ هاتفه يرن للمرة العاشرة، فرفعه ببطء وهو يلهث، وهتف بانضباط مصطنع:أوامرك يا باشا.”
جاءه صوت خلف كالصاعقة، يهدر من الطرف الآخر:
إيه اللي هببه الراجل بتاعك ده؟! هو ده اللي اتفقنا عليه؟!
تلعثم حنفي، وهو يبحث عن كلمات يختبئ فيها من الخطيئة: غلطة… ودفع تمنها… وغار في داهية.
سمع صوت ارتطام عنيف من المكتب على الطرف الآخر، ثم دوى صراخ خلف المشتعل بالغضب: مات؟!”
أجاب حنفي وهو يبتلع ريقه: لا… خليته يهرب ويغور في ستين داهية.
ضرب خلف سطح المكتب بقوة جعلت كل شيء يهتز، ثم صرخ:إنت غبي كده ليه؟! فـي احتمال لو واحد في المية إن سلطان يجيبه! وساعتها هيعرف إننا ورا اللي حصل! الراجل ده لازم يموت!”
أومأ حنفي برأسه مطيعًا، وهتف: أمرك يا باشا… يموت… اعتبره مات وشبع موت!
أُغلق الخط، وارتسمت على وجه خلف علامات الضيق والنفور، تمتم بنفاذ صبر:بهايم… جاتكم البلا!
في المخزن، التفت حنفي نحو رجاله الذين كانوا يراقبون الموقف من بعيد، فصاح فيهم بصوت أجش:تقبوا… وتغطسوا… وتجيبولي الواد عرفه! بدل ما أدفنكم بالحياة يا شوية زبالة!
أومأ الرجال بسرعة، وتفرقوا في كل اتجاه كأشباح الليل، بينما ظل حنفي واقفًا يغمغم وهو يزم شفتيه: جاتكم الهم…
………………………………
في الحارة
عاد سلطان إلى الحارة بسيارته، وصفها أمام باب البيت. ترجل أولًا، ولحقت به ضي بخطى ناعمه ما إن اقتربا من باب المنزل حتى اخترق الصمت صوت أحد الرجال من أبناء الحارة، وهتف بلهجة يغلب عليها التقدير:
معلم سلطان… حمد الله عالسلامة!
توقف سلطان فجأة، التفت إلى ضي، وأشار لها بيده، قائلاً بهدوء مشحون: اطلعي انتي.
أومأت برأسها، ولم تنبس بكلمة، ثم استدارت وصعدت إلى المصعد. أما هو فواجه الرجل، وقال بنبرة صارمة:
في إيه يا بغل؟ اتسرعت ليه؟
هز الرجل رأسه بأسى، وصوته اختلط بالأسف:
المعلم راجح يا جنرال… عيل ابن مرة ضربه على خوانة فجنبه … ودلوقتي في المستشفى من ليلة امبارح.
انقبض وجه سلطان، وتجهمت ملامحه كأنما سمع نذير موت. انعقد حاجبه، وهدر صوته بنفاذ صبر: انت بتقول إيه؟ وراجح جراله حاجة؟!
أومأ الرجل، وقال باقتضاب: علمي علمك يا كبير… بس كان سايح في دمه!
دون أن ينطق بكلمة أخرى، ركض سلطان نحو سيارته. وقبل أن يستقلها، صاح بأمر لا يحتمل تأخيرًا:عينكم على البيت! مفيش نفس يدخل ولا يخرج… لحد ما أرجع.
أومأ الرجل، وأجاب بحزم: أوامرك يا كبير.
وانطلقت السيارة كطلقة نار، لا يرى سلطان ما حوله، والغضب يشتعل في صدره كوقود مشتعل. أخرج هاتفه واتصل بـياسر، فهتف بلهفة تكاد تفقده صوته: راجح في أنهي مستشفى؟
جاءه صوت ياسر، متوتّرًا: انت كنت فين يا سلطان؟!”
قاطعه سلطان بنزق: ياض… مش وقته! راجح فين؟
غمغم ياسر باسم المستشفى، ولم ينتظر سلطان المزيد، فأغلق الخط وانطلق، يسابق الزمن.
وصل إلى المستشفى بعد دقائق معدودة، وصف سيارته بعشوائية أمام المدخل، لا يهمه قانون أو ترتيب. اندفع إلى الداخل، يسأل الممرضة عن غرفة راجح، ولم ينتظر إرشادًا، بل ركض كمن يركض نحو نار لا يطفئها سوى اليقين.
فتح باب الغرفة بعنف، وهتف بصوت مرتجف:راجح!”
كان راجح قد اعتدل في جلسته بمساعدة عايدة، ابتسم ابتسامة باهتة وقال بصوت متهدج:سلطان… فينك يا صاحبي؟
أسرع إليه سلطان، احتضنه بحنو، وهمس بقلق:أنا هنا، ياض… اهدي بس… متعصبش نفسك عشان الجرح هيشد عليك.
أومأ راجح، وعاد يستند إلى الوسادة، قائلاً بثبات مصطنع:متخافش… ده خربوش، على رأي الهواري.
ضحك سلطان، وربت على كتفه، وقال:وحتى لو مش خربوش… اجمد ياض في إيه؟!
ابتسم راجح وقال بمرح:ماشي… داري خضتك عليا بالشويتين دول.
ضحك سلطان بحرارة، وغمغم مازحًا:ولا شويتين ولا حاجة… موت انت بس، وأنا أعملك أجمد كولدير بيرة… الناس كلها تشرب وتتسطل وتدعيلك!
انفجر الجميع ضاحكين، وغمغم راجح بوهن : وانا اروح جهنم واستناك هناك !!
صاحت بطه بحنق محبب: بس بقى يا واد انت وهو … تف من بقك! وانت وهو… بطلوا الاستهبال ده!
اوما سلطان واقترب من راجح مجددًا، وقد تغيرت نبرته إلى الجد:مين يا راجح؟
أشار راجح بيده، وقال ببطء:معرفوش… أول مرة أشوفه في المنطقة. طويل، وأسمر، وعنده جرح قديم في حاجبه الشمال… الحكومة جات، وقلت لهم مشوفتوش. كانت الدنيا ضلمة.
أومأ سلطان برأسه ونهض، وهمس:أحسن كده… هاجيلك تاني يا ض…
وغادر الغرفة بسرعة، كأن الأرض تحت قدميه من لهب. ركب السيارة مجددًا، وأخرج هاتفه، غمغم في الهاتف:
عيل أسمر… وطويل… وحاجبه الشمال مقطوع بجرح قديم.
صمت لحظة، ثم أردف:ابدأ من عند الرشاش… هي حركة جريئة مش بتاعته، بس أكيد وراه.
وأغلق الهاتف، قبل أن ينطلق بسرعة مرعبة، كأنما الريح تدفعه للانتقام.
…………………………………………
ف شقه سلطان الهواري
خرجت ضي من الحمام وهي تلف المنشفة على شعرها، وما إن وضعت قدمها خارج الباب حتى دوى صوت الطرق العنيف على باب الشقة….
ركضت بفزع وفتحت الباب بسرعة، لتتفاجأ بوقوف علي أمامها، وجهه مشوه بين الغضب والرعب.
صاح بها بصوت مختنق:كنتي فين يا ضي؟ وتليفونك مقفول؟ ومحدش عارفلك طريق؟!
رفعت يدها تشير له أن يهدأ، وقالت بصوت ناعم لكنه ثابت:اهدي يا علي… في إيه؟ أنا كنت مع سلطان… يعني مع جوزي.
تشنج وجه علي، وصاح بجنون:جوزك إيه؟! انتي صدقتي نفسك؟! ده وضع مؤقت لحد ما مشكلتنا تتحل… وخلف الكلب ده يغور من طريقنا… وساعتها هنرجع لحياتنا.
نظرت إليه ضي بدهشة، ارتجفت شفتاها وهي تهمس:
علي… أنا مش فاهمة حاجة… هو سلطان اتفق معاكم على كده؟
لم تكن تعلم أن سلطان في تلك اللحظة كان يقف على الدرج، خطواته تجمدت، ويده تتشبث بدرابزين السلم، وقلبه يسحق تحت وقع كلماتها المكسورة… لكنه لم يتوقع الصدمة التالية.
صرخ علي، غير مدرك أنه يحرق قلب آخر خلف الباب:
من غير اتفاق! هو اتجوزك علشان يحميكي من خلف! لما خلف يروح في ستين داهية… هنرجع لحياتنا! وهو يشوف له طريق تاني… صح يا ضي؟!
فتحت ضي فمها، عاجزة عن النطق… وقبل أن يكتمل تساؤلها، دوى صوت سلطان كطلقة نار من خلف علي:
لا يا متر… مش صح. ضي مراتي وهتفضل مراتي… غصب عن شنب التخين!
استدار علي بحدة ليواجه سلطان، الذي كان يصعد الدرج بخطوات كالبركان، وعيناه تتوهجان بالشرر. توقف أمامهما،
ثم نظر إلى ضي التي كانت ترتدي بيجامة قصيرة، عبارة عن شورت وكنزة نصف كم، وهدر بصوته العاصف:
إيه اللي انتي لابساه ده؟! ادخلي جوه… مش عايز حد يلمح طرفك!
تراجعت ضي برعب من نبرته، ودلفت إلى الداخل وهي ترتجف، بينما اشتعلت ساحة الحارة بصراع لا يشبه أي شجار سابق.
صرخ علي، وقد بلغ الجنون حنجرته:انت أكيد مجنون! أنا أخوها!
اقترب منه سلطان خطوة، وصوته ينذر بعاصفة:
مليش فيه اخوها ولا غيره أنا محدش يلمح مراتي ! ضي مراتي وهتفضل مراتي… لا انت ولا غيرك ليه فيها كلمة!
صاح علي بغضب : ده ظلم! انك تحكم عليها تعيش في المكان ده! احنا مش شبهكم ولا انت شبهنا!
في هذه اللحظة، خرج عمار وإبراهيم من شقتهم على وقع الأصوات المرتفعة. صاح عمار: ايه فيه؟ اهدوا… في إيه؟!
أشار سلطان إلى علي وهتف:شوف أخوك يا عمار! بيقولي جوازي من ضي مؤقت! هو الجواز لعبة عندكم يا ولاد الأكابر؟!
قطب عمار حاجبيه، والغضب بدأ يتسلل لصوته:اللي بتقوله ده يا علي؟! ميصحش كده… خلاص، هما اتجوزوا… الموضوع انتهى.
لكن علي هز رأسه، غير مصدق، وصاح:مؤقت… لفترة! علشان يحميها! مش هو ده اللي اتفقنا عليه؟!
صرخ سلطان بهدير لا يقاوم:ضي مراتي… وهتفضل مراتي لآخر يوم في عمري. لما أموت… خدها ساعتها، واحميها بمعرفتك! وبعدين يعني إيه مؤقت؟ هو كده الجواز شرعي… ولما تكون دي النيه في الجواز ، يبقي عيشت أختك معايا تحت سقف واحد… وفي سرير واحد… حلالي!
اتسعت عينا علي بذهول، وغمغم: سرير واحد؟!
أمسك إبراهيم بذراع أخيه محاولًا تهدئته وصاح :عاجبك نسمع الكلام ده؟! بسببك؟! هما متجوزين… عايز منهم إيه؟!
ضحك سلطان بتهكم وهو يهتف: قوله يا إبراهيم… ده حتى قريب هتبقى خاله يا جدع!
جحظت عينا علي وعمار في آن واحد، بينما دوى صوت إبراهيم وهو يضحك: بجد؟! والله جايلنا عثمان البدري الصغير!
لكزه عمار بعصبية: كفاية! ايه الهبل ده؟!
لكن علي صاح بجنون:لا! مش كفاية! حط في دماغك يا سلطان… تخلص مشكلتنا، وضي بنفسها هتطلب منك الطلاق! مستحيل تعيش معاك يوم تاني!
تغيرت ملامح سلطان، وصار كأن الشياطين قد تقمصت ملامحه، عيناه تشعان بالغضب،
اقترب عمار من علي ، وسحبه بعنف وهدر : انت أكيد اتجننت… ادخل! كفاية بقى… كفــايــة!
سحبه داخل الشقة، وأغلق الباب خلفهما. أما سلطان، فقد دلف إلى شقته كالعاصفة، أغلق الباب بعنف حتى اهتزت الجدران، ثم اندفع نحو غرفة النوم بخطوات نارية.
ضرب الباب بعنف، ثم دفعه ودلف وصاح بصوت أقرب إلى العويل المكبوت:هدخل عليكي ودلوقتي يابت البدري… لازم تبقي مراتي!
ووووووووووو…
سكاكر قلبي القمرررات متنسوش التفاعل ي حلوين الفوت والكومنتات
ساحره القلم ساره احمد
🥰🥰🥰🥰